أيا أغنياء الروح صونوا كنوزكم

أيا أغنياءَ الروح صونوا كنوزَكم

وخافوا عليها من لصوص بني الدهرِ

فما أخبث الدهر الكذوب بأهله

وما أكثر الآفات في الدهر والعمر

وما أسعد الصدّيقَ فيه وسعيُهُ

قويمٌ بنور الصدق في السر والجهر

خلافٌ له قد زاد فيه خلافُه

كأن الثريا قارنت مطلعَ الفجر

كأن نفوس الخلق فيه غريقةٌ

بدهرٍ كبحرٍ ماج بالإثم والكفر

ولكن بوناً بين غرقى بأبحرٍ

وبين غريقٍ في المآثم والوزر

يقوم غريقُ الماء حيّاً على الرجا

ولكن غريق الإثم ميتاً على الجمر

إذا كان ذا لا بد منه فقم بنا

نمزِّقُ ثوبَ المال بالنسك في القفر

دخلنا إلى الدنيا عراةً وإننا

عراةً نفارقها ولا خُلفَ في الأمر

فإن تخرجوا والقلب حيث كنوزكم

تَروا ما يرى الملّاحُ في ملتقى البحر

قبيحٌ بنا نبغي الضلالة كالهدى

ونحن نعد السهل خيراً من الوعر

منيَّتُنا كالفيء لاحقةٌ بنا

وهمَّتنا في الزائلات من العمر

فتنشرنا الدنيا وتطوي حياتَنا

وليس لنا منها سوى الطي والنشر

ويُعقبُها التأبيد والفعل ناظرٌ

إلى الخير ثم الشر في النهي والأمر

فواعجباً والناس نُوّام شهوةٍ

أنُوّامُ هبّوا والحَقوا سَفَرَ السَفر

إذا سرقتنا شهوةٌ مكرت بنا

بلذتها والصيد يؤخذ بالمكر

ولكنها تُهدي إلى من يحبها

ويعشقها التسويف بالويل والخسر

فتربحها من حيث تدري بكذبها

وتخسرُها من حيث إنك لا تدري

فأولها سهلٌ وحلوٌ مذاقه

وآخرها مرٌّ أمرُّّ من الصبر

أرتك المزايا البيض حتى تحسرت

أرتك المنايا السود بالأسيُفِ الحمر

وإن أجيراً يأخذ الأجر عندها

لمثل أسير قد سبته بلا أجر

فأحسنُ ما تلقاه فيها هو التقى

وأقبح ما يلقاك فيها الذي يُزري

فما أسعد الإنسان إن ظن حُسنَها

قبيحاً وأشقاه إذا كان لا يدري

مواسمها تحوي رديّاً وجيداً

وما أحسنَ البنيانَ فيها على الصخر

فإن رُمت خيراً نلت خيراً وإن ترُم

قبيحاً تجده فالحسام على النحر

وشاهدُنا ما قد رأينا مثاله

بلوطٍ وأيوبٍ وآدم في الصبر

فآدم في الفردوس باعدَ فخرَه

ولوطٌ بسادومٍ توشَّح بالفخر

ففي مسكن الأحياء قد مات عائشٌ

وفي مسكن الأموات قد عاش ذو الذكر

وأيوب في الحالين أصبح ظافراً

بحال الغنى والجاه والذل والفقر

هو العقل في الإنسان إن ضل واهتدى

له الإختيار التام في النهي والأمر

أأيامَنا ما كنتِ إلّا تجارةً

وقد سُرقت بالقصف واللهو والسكر

فأذنبتُ واستأنفتُ ذنبي فلم أجد

لنفسي وقد تابت خلاصاً من الحشر

وأنظمُ في نفسي عقودَ مآثمٍ

وأنثرُ خسرانَ الدقائق من عمري

إلى أن ثنيت النفس عن طرق الهدى

وأفنيت عمري فيه بالنظم والنثر

وها أنا من صوت النشور محيَّرٌ

إذا ما دعاني اللَه من جانب القبر

أتوب ولكن لا ثبات لتوبةٍ

بعمرٍ به الأوزار كالماء بالخمر

رأى الناسَ يومَ الدين والعدل حاكمٌ

وناهيك عن عدلٍ أدقَّ من الفكر

وكلٌّ بأثواب الندامة مكتسٍ

على السعي إلّا التام في السر والجهر

فما أشجعَ الشُّهْداءَ والحربُ قائمٌ

ولاقَوا زُؤامَ الموت بالبيضِ والسمر

وما أسعدَ النساكَ إذ تم سعيهم

ورَدّوا هوى اللذات بالسود والصفر

وما أجملَ الأبرارَ والبِرُّ ثوبُهم

يرومون مجد اللَه بالأثوُبِ الخضر

إذا شاهد الأطهارُ مجداً مؤثّلاً

لديهم وهم منه كشمس لدى البدر

يصوغون مدحاً تمَّ إذ تمَّ عمرُهم

مُجِدّاً على الأحزان والضيق والفقر

وربُّك يرميهم بعينٍ بها الرضا

لأنهمُ أرضوه بالحمد والشكر

وتنحدر الأشرار بالويل والردى

إلى دار نار العار بالذل والقهر

كأن تلكم النيرانَ وهي عليهمُ

جبالُ رصاصٍ لا جبالٌ من الصخر

يودون ألّا يولدوا ثم يقبروا

ولا يوعدوا من بعدُ بالبعث والحشر

ترى كُمَّلاً في حبِّ من قد أتاهمُ ال

كمالُ كبدرٍ تم في ليلة البدر

غدوا إخوةً فضلاً وأربابَ نسبةٍ

إلى مالكٍ للفضل بالعز والنصر

لأنهمُ لم يسلكوا مسلك الردى

وتموا بجسمٍ جل عن دنس الأصر

وما وَلَدُ الإنسانِ إلّا مضاعفٌ

وما ضِعفُهُ إلّا من البطن والقبر

فمولده بالبطن يأتي إلى الشقا

ومولدُه بالقبر للدين والأجر

سألتك يا مولاي ساعةَ مولادي

من القبر والأموات تَنهضُ للنشر

رضاءً وغفراناً وعفواً ورحمةً

بمن ساغ فيها المدحُ بالنظم والنثر

وحلَّ لها بِكرُ الخلائق كلهم

وناهيكَ من بِكرٍ تَجسَّدَ من بكر

فإن تدعها يوماً يجبك حنوُّها

أنا يُسرُ من يدعو بمريمَ في العسر

فبي خَلَصَ الإنسانُ بعد هلاكه

وبي جَذَب الإيمانُ ناصية الكفر

وبي أُخِذ الشيطان وهو مغللٌ

أسيراً ولا يرجو الخلاص من الأسر

فآدم قد أضحى بحواء مائتاً

وبي قام حيّاً نائلَ العفو من بِكري

بحوّا تردى الخزيَ غِرّاً وإنَّه

بفضلي تردّى المجد دهراً على دهر

فيا سعدَ من قد جاء نحويَ طالباً

بتوبته عفواً ومغفرةَ الوِزر

أتيتُكِ يا ملجا الخطاة مؤمّلاً

غياثَك في يوم القيامة والحشر