ثنت لوداعه الأعطاف يسرا

ثَنَت لِوداعهِ الأعطاف يُسرا

فَكانَ هناكَ منها العسرُ يُسرا

وَأَقلقَها جوى الفرقا فَفاضَت

مَدامِعُها عَلى الخدّينِ قَطرا

فَكانَ الدرُّ مبسمها وعقد ال

جمان وَدمعُها درّاً ودرّا

تَشابهن الثلاثة غير هذا

بدا نظماً وذاكً يلوحُ نثرا

ظَللنا في اِعتباقٍ واِستِلامٍ

تجدّد من قديمِ العهدِ ذِكرا

فَلَو أبصرتَنا أبصرتَ منّا

هلالاً في الوداعِ يضمُّ بَدرا

فَتاة تُخجلُ الأغصانَ قدّاً

وَتُخجل أقحوانَ الروضِ كشرا

إِذا أسررت فيها بعض وجدي

جَرى دَمعي فَكان السرّ جَهرا

غَزالٌ يَرتعي الأحشاء لا من

مفازاتِ الفلا شيحاً وسِدرا

وَشمس ما لَها أَبداً مدارٌ

فَتنزلُ منه إِكليلاً وغفرا

وربّة ليلةٍ طرقت هجوعاً

فَكانت قبلَ وقتِ الفجرِ فَجرا

فَقمتُ أضمّها حتّى إذا مجت

خلواتنا صدراً وصَدرا

إِذا قبّلت والوجناتُ حمرا

تغشّاها الحياءُ فصرنَ صفرا

تُدير عليَّ مِن يدها وفيها

عَلى تَصريفها جمراً وخمرا

لَياليَ لا تزالُ رياض لهوي

بَهيجاتٍ حواشيهنّ خضرا

وَريحُ شَبيبتي تجري رخاءً

وأَنجمُ صَبوتي يَعلون زهرا

عَرفتُ حوادثَ الأيّام حتّى

قتلتُ خطوبَها عزماً وَصبرا

إِذا ما خلتُ حادثةً تقضّت

أتَت مِن بعدها أُخرى وأُخرى

وحلّ نشا وأفكاري إلى أن

رَأيتُ خفيَّ ما في الغيب فكرا

بَلوتُ الدهرَ حتّى لو بعلمي

لكنتُ شفيته علماً وخُبرا

وَكيفَ يُريبهُ منّي اِختبارٌ

وَقَد عايشتُهُ مرّاً وحلوا

وَقَد فتّشت أَهليهِ جميعاً

وَقَد قلّبتهُم بطناً وظهرا

إِذا ما العيشُ فاتَكَ فيه يسراً

فَلاحظهُ بِطرفِ العين شزرا

رَأيت الفقرَ قبل الموت موتاً

لِصاحبهِ وقبل القبر قبرا

وَعمرُ المرءِ حبلٌ كلَّ يومٍ

تمرّ بهِ تقصّر منهُ شِبرا

قَطعت الأرضَ مِن شرقٍ وغربٍ

وَجزت تُخومها برّاً وبحرا

إِلى أَن صارَ ساكنها جميعاً

هناكَ يظنّني كالخضر خضرا

وَلَم أرَ كالمظفّرِ مِن مليكٍ

عَلى الدُنيا منَ الأملاكِ طرّا

مَليكٌ أعدلُ الأملاكِ ملكاً

وَأَندى راحةً وأجلّ قَدرا

فَما دار اِبن دارا في علاهُ

يُطاولهُ ولا كِسرى بن كسرى

فَتىً عمَّ الأصادقَ والأعادي

عَلى اِستِحقاقهم نفعاً وضرّا

وخطّت فضله أَيدي الأيادي

فَأصبحَ في جبينِ الأرضِ سَطرا

له خلقٌ لنائلهِ يحاكي

رِياض الجرنِ إِبهاجاً ونشرا

بهِ وَبِملكهِ اِفتخرَت عمان

فعقّب شاؤها شاماً ومصرا

وَطاولتِ السماءَ الأرضُ حتّى

عَلَت بهرامها شرفاً وفخرا

خضمٌّ للندا لجبٌ وليثٌ

يَكونُ عرينهُ بيضاً وسُمرا

أَلا يا مَن أَحاطَ الملك عدلاً

وَمن رَضِيت به الأعداءُ قَسرا

إِليكَ بنا سَرت عيس الأماني

فَغدواً شهرُها وتروحُ شَهرا

تجوبُ بِنا إِلى صلةِ المُنى مِن

مفاوز بأسها سهلاً ووعرا

وَتحملُ مِن بضائِعها جماناً

تصرّف في النظامِ فصارَ شِعرا