أعيدا حديث الأنس عن ساكن السفح

أعيداً حديثَ الأنسِ عنْ ساكِنِ السَّفْحِ

عَسَى تُبرِداَما بِالجَوانِحِ من لَفحِ

وإيَّاكُما ذِكرَ العُذَيبِ فإنَّهُ

على غَيرَتِي عَنْهُ غَنِيٌّ عنِ الشَّرحِ

خَليلَيَّ لا أنْسَى وقَدْ جِئتُ حَيَّهَا

وحِيداً أسِرُّ الخَطوَ فِي غَيهَبِ الجُنحِ

تُطالِعُنِي الجَوزَاءُ شزراً وَيَنطَوي

عَلَى حَنَقِ قَلبُ السِّمَاكِ مَعَ النَّطحِ

وَما وَطِئَتْ رِجلِي عَلَى غَيرِ شَائِكٍ

ولاَ قَبَضَتْ كَفَّايَ إلاَّ عَلَى رُمْحِ

أحَاولُ مِنهَا لَفتَةً لا لِريبَةٍ

وأطْلُبُ مِنهَا نَعْمَةً لا على قَدحِ

وَلولا انتِشارُ النَّشرِ من طَيّ رُدْنِهَا

وبَرق ثَناياها ضَلَلتُ إلى الصُّبْحِ

فأيقَظَهَا مِلبُعدِ خَفْقُ حُشاشَتي

وقَدْ عادَ حَربُ الدَّهرِ فِيهَا إلى الصُّلحِ

فَوافَتْ وَيَا لَلُّهِ كَابنِ مُحمَّدٍ

وقَد قَامَ لِلتَّعيِيدِ في سَاحَةِ الصَّرحِ

ألاَ إنَّهُ البَاشَا الذِي اعتَرفَتْ لَهُ

مُلوكُ الوَرَى بِالخَلقِ والخُلُقِِ السَّمحِ

هُمَّامٌ إذا عَايَنتَهُ قُلتَ إنَّ مَن

سِواهُ مِنَ الأملاكِ مِنْ جُملَةٍ السَّرحِ

طَوى لاكتِسابِ الحَمدِ كُلَّ تنوفةٍ

يُغَنِّي بِهَا طَيرُ الفَخَارِ عَلَى دَوحِ

وأظهرَ في ذا الملكِ كلَّ عجيبةٍ

يغني بها طير الفخارِ على دوحِ

رَأيناهُ لَمَّا وَدَّعَ الصَّومَ رَاجِعاً

وأقْبَلَ عِيدُ الفِطرِ في مَعرِضِ الفَرحِ

تَطَلَّعَ من بينِ الأسَاطِينِ مِثَلمَا

تَطَلَّعَ وجْهُ الرُّشْدِ من خِلَلِ النُّصحِ

وَقَامَ لإعطَاءِ التَّحيَّةِ مُقبِلاً

كما انتَصَبَ الرُّكنُ اليَمَانِيُّ لِلمْسْحِ

وأبْرَزَ لِلتَّقبِيلِ كَفّاًلَو أنَّهَا

تَمُرُّ بِمَقرُوحٍ لَصَحَّ منَ القَرحِ

ولا شَكَّ أنَّا إذْ لَمَسْنَا يَمِينَهُ

ظَفِرنَا بِكَنزِ اليُمنِ من مَعدِنِ الرّبْحِ

فَيا أيُّها الغَيثُ الذِي جُودُ كَفِّهِ

من الدَّرّ والإبرِيزِ مُنتَشِرُ السَّحّ

ويا أيُهّا السَّيفُ الذي انقَطَعَتْ بِهِ

رِقَابُ بَني البُهتَانِ مِن غَيرِ ما جُرْحِ

فَذاكَ مِنَ الأسوَاءِ كُلُّ مُمَلَكٍ

سَجِيَّتُهُ وَقفٌ على الجُبْنِ وَالشحّ

وَهُنِّيتَ بِالعِيدِ الذي كُلُّ مَوسِمٍ

عَلَى إثرِهِ أزكَى وَأعظَمُ بِالنُّجحِ

تَحَاشا وأيْم اللهِ عَن كُلُّ وصمَةٍ

سِوى أنَهُ قَد جَاءَ في أثَرِ الفَتحِ

فَلاقَاهُ من وَالاكَ كَالزَّهرِ بَاسِماً

وَواجَهَ مَنْ عَاداكَ في غايَةِ القُبْحِ

وأنعِم بِهَذا القَصرِ دَهرَكَ بَادياً

لَكَ البِشرُ مِن أرجَائِهِ عالِي القَدْحِ

سَوَاريهِ مثلُ الغيدِ أرخَتْ ذَوَائِباً

ولَولا الحَيا مالَت حَوالَيكَ لِلشَّطحِ

تَرى كُلَّ بَيضَاءِ الأدِيمِ تَوكَّأتْ

عَلى مِثلِهَا سَمرَاءُ في جَودَةِ السَّطحِ

شَدَدنَ عَلى الأوسَاطِ حُزماً كَأنَّمَا

يُرَجَّينَ أنْ تَدعُو الجَمِيعَ إلى الكَدحِ

وَنَمَّقنَ أعلى الوَجهِ نَقشاً كَأنَّهُ

شَظَايا فَتِيلِ اللَّيلِ في غُرَّةِ الصُّبحِ

وَقُمنَ على دَستِ النَّضَارِ كَأنَّهَ

مِن الثَّلجِ إلاَّ أنَّهُ فَاقِدُ الرَّشحِ

بَدَائِعُ أزرَتْ بِالبَديِعِ وأغْمَدَتْ

مَصَانِعَ ذِي غَمدَانَ في حَيِّزِ الطَّرْحِ

وَرَامَ يُحاكِيها السَّدْيِرُ بِحالِهِ

وَأينَ مِنَ السَّعَدانِ نَابِتَةُ الطَّلحِ

وكَمْ لَكَ في نَشرِ المَفَاخِرِ مِثلُهَِا

إذا بَلِغَتْ شَانِيكَ أيقَنَ بِالذَّبحِ

أما يَتَوقَّى مَنْ يُبارِيكَ عَزمَةً

تُمَيِّزُ بَعْدَ المَزجِ عَذباً منَ المِلْحِ

بَعَثْتَ بها للغربِ والشَّرقِ خُطَّةً

تَخُطُّ بِهَا الأقلاَمُ مَجدَكَ في لَوحٍ

فَلاَ زِلْتَ تُبْدي كُلَّ حِينٍ غَرِيبَةً

تَروقُ النُّهَى بَدْءاً وَتَخْتِمُ بِالمَدحِ