ملك به عز الشريعة مظهر

مُلْكٌ بهِ عِزُّ الشَّريعةِ مُظهَرُ

يُزْهَى به الدينُ الحنيفُ ويَفْخَرُ

وبناءُ عزٍّ شيدَ في أوج العُلَى

ينحَطُّ كسْرى عن ذراهُ وقيصرُ

ومخائلٌ مَيمونَةٌ وسعادةٌ

مقرونةٌ بعزائمٍ لا تفترُ

وَصوارمٌ مَصقولةٌ وذوابلٌ

يعنو لها المسْتكبرُ المتجبّرُ

وغنائمٌ من ذي الجلالِ ولم يزلْ

ربّ البريّةِ لِلْجميلِ يُيسِّرُ

يا مَنْ لَه في كلِّ يومِ كَريهةٍ

من جدِّه الميمون سيفٌ أبتَرُ

لولا محبّتك الجلاء لِمَنْ طغى

لَكَفاكَ جَدٌّ في الحروب مُظفَّرُ

أيقيسكَ البحرُ الخِضمّ ولِلْورى

من كلّ أنملةٍ بكفّكَ أبْحِرُ

كفُّ ترى الأَملاكَ لثْمَ بنانِها

شرفاً ويحسدُها الغمامُ الممطرُ

مَن ذا يطيقُ نِزالَ مثلك في الوغى

لو قابَلتْكَ بكلّ قَيْلِ حميرُ

ولَمَنْ رآكَ ولم يَمتْ من حِينِهِ

بسيوفِ خوفك إنّه لِمُعَمَّرُ

ولَرُبّ يومٍ قَدْ أَثرتَ قتامَهُ

وصَبْرَتَ إذْ لا ذُوجَنانٍ يَصبِرُ

وظلامِ نقعٍ لِلْوغَى جَلّيتَه

والأسْد في أجُم الذوابلِ تزأَرُ

فَغَدا الضّحى بكَ وهْو لَيْلٌ أَلْيَلٌ

وغدا الدُّجى بكَ وهو صُبْحٌ مُسْفِرُ

يَا بْنَ الأُولى نَصَروا شَريعةَ جدِّهم

واستَنْقَذوا دينَ الإله وأظْهروا

قومٌ لهمْ غَاياتُ كلِّ سيادةٍ

عنها تأخّرتِ الملوكُ وقَهْقَروا

طَالُوا وطابوا عنُصراً وَوَشيجةً

نِعْمَ الوشيجةُ منهُم والعنصرُ

سِرْ حَيثُ شئتَ يَسِرْ لديكَ مُصاحباً

مِنْ نَصرِ مَولاكَ العَديدُ الأكثرُ

ومُرِ الزّمانَ بما تَشاءَ فَلَم تَزَلْ

طُولَ المَدى تنهى الزّمانَ وتأمُرُ

ما اختراكَ الموْلَى لِتَحْمِي مُلْكَهُ

إلاّ لأَنَّكَ دِرعُهُ والمغْفَرُ

كَمْ مِن مُلوكٍ قَادةٍ ذلّلْتَهمْ

وقد اسْتَطَالُوا جُهْدهُمْ وتكَبّروا

وَمَقَاوِلٍ أفنيتَهم قَتْلاً وقَدْ

سلكُوا سِوى نَهجِ الهدى فَتَحيّروا

نَبذوا عُهودَ اللهِ خلْفَ ظُهورِهم

وعَتَوْا على باريهم واسْتكبروا

لو كانَ لِلتّوفيق فيهِمْ مدْخَلٌ

تابوا إلى بَارِهمُ واستَغْفَروا

عَميتْ بصائِرُهُمْ لعظْمِ ذُنوبهمْ

والحقّ أَبْلجُ واضِحٌ لو أبْصَروا

راموا بجَهْلِهمُ وضعْفِ عُقُولِهمْ

إخفاءَ دينِ محمدٍ لم يَقْدروا

طَلَبوا المحالَ فحالَ دُونَ مَرامِهِمْ

مَصْقولةٌ بيضٌ وموتٌ أحمرُ

وكَتَائبٌ خُضْرٌ تَظلّ كُماتُها

كالأُسْد في أجم القنا تَتَبَخْتَرُ

ظنّوا الإِلَه يُنيلُهمْ ما أمَّلُوا

والله أعلَى أن يُضَامَ ويُقْهَرُ

جُزْتَ السَّباسِبَ خَلْفَهمْ فتركتَها

والمسْكَ أدْنى ريحها والعنْبَرُ

وفَتَحتَ قهراً مِنْ معاقِل أرضِهم

ما كَأنَ يعجز عِنده الإسكندرُ

وغَدَا يُصَفَّدُ كلُّ ليثٍ منهمُ

ويُبَاعُ بالنّزْرِ الغَزالُ الأَعفَرُ

في مَوقفٍ لِلنَّقْعِ فيه غَمامةٌ

نَارُ المنايا تحتُها تتسعَّرُ

سُلَّتْ به مثل النجومِ صوارمٌ

تَرَكَتْ رداءَ النّقعِ وهو مُشَهَّرُ

بيضٌ تُسَوِّدُ كلَّ منتصرٍ بها

ما لم يكنْ لجميلِ صُنعك يكفرُ

مِن كُلّ مشحوذِ الجوانبِ لم يَزَلْ

مُذْ كنتَ مِن عَلَقِ الأعادي يقطرُ

والسُّمر تخْطر للِّقَا فقُدودُها

تُزْهى ارتياحاً والأسّنة تزهرُ

مِنْ كلّ مطرورِ السّنانِ طَعينُه

لا يَنْثَني وكسيرُه لا يُجبَرُ

ما زِلتَ تسْقيها دماءَ رقابِهم

فلِذاك تثمرُ بالرؤوس وتبذرُ

والخيلُ تمشي في الحديد مُعَدَّةً

وعيونُها شزراً إليهمْ تنظرُ

لم يُدْرَ حينَ تكِرُّ في آثارهم

أهي السّهامُ أمِ الجيادُ الضمَّرُ

يُطْلِعْنَ من غُرَرٍ لَهُنَ أهِلّةٌ

ينجابٌ مِنْ إشراقهنّ العِثيرُ

مِن كلّ معروفِ الأصُولِ تَخَالُه

كالسَّيل من أعلى الذرّى يتحدّرُ

وإذا جرَى البرقُ اليَماني خلْفَهُ

أبصَرتَه بغُبارِهِ يتعَثَّرُ

وإذا سَعى مَعَهُ الحيا متَصَوِّباً

أَلفَيتَهُ من خلْفه يتكسَّرُ

تَهوي لِهَادِيهِ القَنا فيرُدّها

نفسٌ لَهْ لِلْغيظِ مِنهمْ يَزْفرُ

نَسَجَ العجاجُ عليه درعاً سابغاً

عَن فضِّها باعُ الأسنةِ يقصرُ

لولاَ امتثال الأمرِ في إرهابهمْ

لكفَاهُ ما نَسجَ العجاج الأكدرُ

يَعلُوهُ مَلْكٌ ما أهمَ بغايةٍ

لِلْمجْدِ إلاّ نالَ ما يتعذّرُ

للهِ أَحْمدُ كم عُلّى ومكارمٍ

تُعزى إليهِ وكم معالٍ تَبْهرُ

مَلكٌ إذا ركبَ الجوادَ حسبتَه

بدراً له متنُ السَّحاب مسخَرُ

وكأنّما أَخلاقُه لجليسه

مِن وَرْدٍ روضات المحامد تُعْصَرُ

مَنْ ذا سواهُ لَه المحامِد تُنْتَقَى

وتُحاكُ أبرادُ الثَّنا وتُحبَّر

يا أيّها الملك الّذي عزَماتُه

وَصِفاتُه في كلِّ أرضٍ تُذكَرُ

وافيتَ هذِي الأَرضَ تُحْيي مَيْتَها

ولِنُورِ دينِ الله فيها تُطْهِرُ

ومَنَحتَها نَظر الشّفيقِ فجئتَها

تَحْيي مآثرَ سالِفيكَ وتَعْمرُ

فأشدْتَ من آثارهم ما شَيّدوا

ولَمَا ابتَدَأْتَ من المكارمِ أكثرُ

حتّى لَقَد حَسدتْ رُبَاها مكّةٌ

واشْتَاقَ قربَكَ خيْفُها والمشْعَرُ

فاسْتَجلِها عذراء يَطْوي نشرُها

طَيّاً ويقصرُ عن مَدَاها بُحترُ

لَمْ أذكرِ الفتحَ بن خاقان ولاَ

قد عاقَني عن بَحْرِ جُودِكَ جعفَرْ

لا زِلتَ والدَّهرُ العصيَ مطاوعٌ

والملكُ ريّان المعاطِف أخضر

والشَّمسُ لَم تكْسفْ لأمرٍ فادحٍ

أنَّى وحَظّكَ في السعادةِ أوفرُ

لكِنّها اسْتَحيتْ فأطَفَتْ نُورها

لَمَّا رأَتْكَ ونورُ وجهكَ أنورُ

أَوْ أنّها هويتْ جَوادكَ فاغتَدَتْ

تهوي إليهِ وهيَ نَعْلٌ أحمرُ

هَذي الكَرَامات التي لا تَنْتهي

والمجدُ والشرفُ الَّذي لا ينكَرُ

وبقيتَ كَهْفاً يستغيث بكَ الورى

طراً ويبصرُ رُشدَهُ المستَبصِرُ

وعلَى النّبي وآلهِ مِنْ رَبِّنا

أَسْنَى صَلاةٍ لاَ تَزاولُ تكَرَّرُ

ما فاحَ مدحُكَ في البسيطةِ عنبراً

واهتْزّ مِن طَربٍ لِذكركَ منبرُ