ما ذي المساعي الغر في قدر الورى

ما ذي المَساعي الغُرُّ في قَدرِ الوَرى

فَلِذاكَ نَحنُ نَظُنُّ يَقظَتَنا كَرى

تُبدي لِأَعيُنِنا فَضائِلَ ما رَأَت

أَمثالَها في العالَمينَ وَلا تَرى

وَضَحَت لَنا فَعَلاؤُها لا يُمتَرى

في صِدقِهِ وَثَناؤُها لا يُفتَرى

قَد كُنتَ عَن مَكنونِها مُستَخبِراً

فَغَدَوتُ مُذ قَرَّبتَني مُستَخبَرا

فَوَدِدتُ أَيّامي تَكونُ لَدَيكَ أَع

واماً وَساعاتي القَصيرَةَ أَشهُرا

لِأَرى وَأَسمَعَ كُلَّ لَحظَةِ ناظِرٍ

ما راقَ مُستَمِعاً وَأَذهَلَ مَنظَرا

يا مَن إِذا نَشَرَ الأَنامُ حَديثَهُ

مَلَأَ الدُنا عَرفاً يَفوقُ العَنبَرا

إِن فاحَ في أَقصى البِلادِ فَبَعدَ أَن

أَضحى الشَآمُ بِطَرفِهِ مُتَعَطِّرا

حَتّى لَخِلنا دَوحَهُ وَتُرابَهُ

عوداً قَمارِيّاً وَمِسكاً أَذفَرا

مَن أَصدَرَ الراياتِ حُمراً مِثلَما

أَصدَرتَها غِبَّ الحُروبِ تَصَدَّرا

وَمَلابِسُ التَعظيمِ لائِقَةٌ بِمَن

يُعيِي إِذا لَبِسَ العَجاجَ الأَكدَرا

لَولا اِنصِلاتُكَ وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ

لَغَدا الهُدى مِمّا عَرا واهي العُرى

بِكَ أَيَّدَ الرَحمَنُ ظاهِرَ دينِهِ

وَبِحَدِّ سَيفِكَ يَنصُرُ المُستَنصِرا

وَمَتى تُخيفُ عَصائِبٌ قَسَّمتَها

بَينَ المَنايا وَالرَزايا اِشطُرا

ذَلَّلتَهُم فَلِذاكَ أَرخى ذَيلَهُ

مَن كانَ قِدماً لِلحُروبِ مُشَمِّرا

وَمَنَيتَهُم بِالفَقرِ حَتّى أَشبَهَت

في قِلَّةِ الإِثراءِ مَعنٌ بُحتُرا

وَلَوَ اِنَّ غَيرَكَ رامَ ذُعرَ سَوامِهِم

لَأَبى لَها صُمُّ القَنا أَن تُذعَرا

حَتّى إِذا ما أَقلَعَت ظُلَمُ الوَغى

عَنهُم وَأَبصَرَ رُشدَهُ مَن أَبصَرا

عاذوا بِمُلكِكَ خاضِعينَ لِيَأمَنوا

صَرفَ الرَدى وَاِستَغفَروكَ لِتَغفِرا

فَمَنَعتَ حَتّى لَم تَجِد مُستَبدِلاً

وَغَفَرتَ حَتّى لَم تَدَع مُستَغفِرا

وَلَّوا وَقَد أَلقَوا أَعِنَّةَ خَيلِهِم

وَأَتَوا وَقَد سُلِبَت قِلاصُهُمُ البُرى

وَمَتى جَنَوا ثَمَراتِ وَعدِكَ وَاِعتَدَوا

أَلفَوا وَعيدَكَ مِثلَ وَعدِكَ مُثمِرا

فَلتَحذَرِ الذُؤبانُ في فَلَواتِها

أَسَداً تَحامَت سُخطَهُ أُسدُ الشَرى

وَمُظَفَّراً كَفَلَت لَهُ عَزَماتُهُ

أَن لا يُقَدِّمَ هَمُّهُ مَن أَخَّرا

إِنَّ اِبنَ جَرّاحٍ دَعاكَ وَمالَهُ

مِمّا يُحاذِرُ غَيرَ عَفوِكَ مُدَّرا

فَأَجِب نِداءَ أَبي النَدى فَلَطالَما

ناداهُ غَيرُكَ خاضِعاً فَاِستَكبَرا

وَاِمنُن عَلَيهِ مُحَقِّقاً آمالَهُ

كَرَماً فَكُلُّ الصَيدِ في جَوفِ الفَرا

ما كانَ أَثقَبَ زَندَهُ لَو أَنَّهُ

مُستَقبِلٌ مِن أَمرِهِ ما اِستَدبَرا

خَلّى بِلاداً بَعدَ ذَمِّ وُرودِها

وَلَسَوفَ يَحمَدُ إِن عَفَوتَ المَصدَرا

مُذ راءَ أَفنِيَةَ المَمالِكِ كُلِّها

غُبراً تَذَكَّرَ ذا الجَنابِ الأَخضَرا

فَبَكى وَأَضحَكَهُ الرَجاءُ فَما رَأَت

عَينٌ سِواهُ ضاحِكاً مُستَعبِرا

قَرَّت جِيادُ الخَيلِ مُنذُ كَفَيتَها

طَلَبَ العَدُوِّ مُغَلِّساً وَمُهَجِّرا

فَأَراحَها مَن لا يُريحُ جِيادَهُ

حَتّى تُثيرَ بِكُلِّ أَرضٍ عِثيرا

حَتّى لَقيدَت بُدَّناً وَلَوَ اِنَّها

قيدَت لِيَومِ وَغىً لَقيدَت ضُمَّرا

مِن كُلِّ أَشقَرَ لَم يَكُن مِن قَبلِ أَن

تَغشى بِهِ وَخزَ الأَسِنَّةِ أَشقَرا

يَتلوهُ أَدهَمُ كانَ وَرداً بُرهَةً

مِمّا تُسَربِلُهُ النَجيعَ الأَحمَرا

داجٍ وَيُشرِقُ مِن ضِياءِ حُجولِهِ

فَيَخالُهُ رائيهِ لَيلاً مُقمِرا

وَوَراءَهُ خَيلٌ كَأَنَّ جُلودَها

مِن نَسجِ قُسطَنطينَةٍ أَو عَبقَرا

لَقَدِ اِنتَحَيتَ لِمُصطَفيكَ مَنائِحاً

تُعيي المُلوكَ مُقَدَّماً وَمُؤَخَّرا

مِن بَعضِ ما سَلَبَت قَناكَ مِنَ العِدى

ما هَذِهِ مِمّا يُباعُ وَيُشتَرى

وَالجاهِلِيَّةُ كُلُّها كانَت تَرى

عَقرَ القَلوصِ نَدىً إِذا المَحلُ اِعتَرى

إِذ لَم تَكُن في عَصرِهِم وَلَوَ اِنَّهُم

شَهِدوا زَمانَكَ ما اِستَحَلّوا المَيسِرا

وَكَفاهُمُ عَقرَ القَلوصِ مُمَلَّكٌ

بِعَطِيَّةِ الدُرَرِ الثَمينَةِ موفِرا

وَنَشَرتَ مِن كَشفِ المَظالِمِ مَيتَةً

ما كانَ يَأمُلُ آمِلٌ أَن تُنشَرا

فَوَرى بِحُكمِكَ زَندُ عَدلٍ قَد كَبا

وَكَبا لِخَوفِكَ زَندُ جَورٍ قَد وَرى

وَحَسَمتَ ظُلمَ الظالِمينَ فَعادَ مَن

يَمشي العِرَضنَةَ وَهوَ يَمشي القَهقَرى

فَالجَورُ قَد أَلغاهُ مَن لَم يُلغِهِ

وَالحَقُّ مُعتَرِفٌ بِهِ مَن أَنكَرا

خُلِقَ المُظَفَّرُ بِالفَضائِلِ وَالنُهى

وَالمَجدِ وَالذِكرِ الجَميلِ مُظَفَّرا

جَدٌّ يُشايِعُهُ عَلى حَوزِ العُلى

جِدٌّ إِذا طَلَبَ العَسيرَ تَيَسَّرا

وَهِيَ العُلى وَأَبيكَ لَيسَ يَحوزُها

مَن لَم يَطِب أَصلاً وَيَكرُم عُنصُرا

وَالتُركُ بَعضُ الناسِ إِلّا أَنَّهُم

أَقوى وَأَصلَبُ في الكَريهَةِ مَكسِرا

وَالنَبعُ كَالشَريانِ إِلّا أَنَّ ذا

نَبتُ الوِهادِ وَذاكَ نَبتٌ في الذُرى

باغي نَظيرِكَ فائِزٌ بِمُرادِهِ

لَكِن إِذا اِلتَقَتِ الثُرَيّا وَالثَرى

فَلَأَنتَ عيدُ المُسلِمينَ فَلا رَأَوا

رَبعَ المَعالي مِنكَ يَوماً مُقفِرا

وَنَداكَ رَوّى رَوضَ شِعري بارِضاً

حَتّى لَصارَ كَما تَراهُ مُنَوِّرا

فَليَرعَ مَجدُكَ مِنهُ كُلَّ خَميلَةٍ

كَفَلَت لَها نُعماكَ أَلّا تُمعِرا

وَالرَوضُ لَستَ تَراهُ أَبلَجَ ناضِراً

إِلّا بِحَيثُ تَرى الحَيا مُثعَنجَرا

إِنّي وَجَدتُكَ تاجَ كُلِّ مُمَلَّكٍ

فَكَسَوتُ هَذا التاجَ هَذا الجَوهَرا

وَلَوَ اِنَّني أُجري وَلَستُ بِفاعِلٍ

قَلَماً بِمَدحٍ في سِواكَ لَما جَرى

أَو كُنتُ غائِصَ غَيرَ بَحرِكَ لَم أَكُن

مُستَخرِجاً ذا اللُؤلُؤَ المُتَخَيِّرا