رفعت عليك عويلها الأمجاد

رَفَعَت عَلَيكَ عَويلَها الأَمجادُ

وَجَفَت كَريمَ جَنابِكَ العُوّادُ

وَتَكَنَّفَت شَكواكَ عَن خَطبٍ دَهى

هَدَّت لَهُ أَركانَها الأَطوادُ

سَلَّت عَتادَ الصَبرِ فيهِ صَبابَةً

ما لي بِها غَيرَ الدُموعِ عَتادُ

لِلَّهِ أَيُّ خَليلِ صِدقٍ مُخلِصٍ

أَهوى بِهِ رُكنٌ وَمالَ عِمادُ

خَطَمَ القَضاءُ بِهِ قَريعاً مُصعَباً

فَاِنقادَ يَصحَبُ وَالحِمامُ قِيادُ

جارَيتُهُ طَلقَ الحَياةِ إِلى الرَدى

فَحَوى بِهِ قَصَبَ السِباقِ جَوادُ

كُنّا اِصطَحَبنا وَالتَشاكُلُ نِسبَةٌ

حَتّى كَأَنّا عاتِقٌ وَنِجادُ

ثُمَّ اِفتَرَقنا لا لِعَودَةِ صُحبَةٍ

حَتّى كَأَنّا شُعلَةٌ وَزِنادُ

يا أَيُّها النائي وَلَستَ بِمُسمِعٍ

سَكنَ القُبورُ وَبَينَنا أَسدادُ

ما تَفعَلُ النَفسُ النَفيسَةُ عِندَما

تَتهاجَرُ الأَرواحُ وَالأَجسادُ

كُشِفَ الغِطاءُ إِلَيكَ عَن سِرِّ الرَدى

فَأَجِب بِما تَندى بِهِ الأَكبادُ

فَوَراءَ سِترِ اللَيلِ مُضطَرِمُ الحَشا

لايَستَقِرُّ بِهِ هُناكَ مِهادُ

لَم يَدرِ إِلّا يَومَ مَوتِكَ ما الأَسى

فَكَأَنَّ مَوتَكَ لِلأَسى ميلادُ

وَكفاهُ مَجداً أَن يَقولَ وَلِلدُجى

فَجرٌ لَهُ مِن دَمعِهِ أَمدادُ

حَتّامَ أَندُبُ صاحِباً وَشَبيبَةً

فَتَفيضُ عَينٌ أَو يَحِنُّ فُؤادُ

أَقصِر فَلا ذاكَ الخَليلُ بَآيِبٍ

يَوماً وَلا ذاكَ الشَبابُ يُعادُ

فَقُصارُ مُجتَمِعُ الأَصاحِبِ فِرقَةٌ

وَمَحارُ أَنوارِ الشَبابِ رَمادُ

فيمَ السُلُوُّ وَقَد تَحَمَّلَ صاحِبٌ

شَطَّت بِهِ دارٌ وَطالَ بُعادُ

أَتبَعتُهُ قَلباً لَهُ مِن لَوعَةٍ

زادٌ وَمِن عَينٍ تَفيضُ مَزادُ

فَذَّ تَبَسَّمَ عَنهُ صَدرُ المُنتَدى

طَرَباً بِهِ وَاِهتَزَّتِ الأَندادُ

وَأَخٌ لِوُدٍّ لا أَخٌ لِوِلادَةٍ

وَأَمَسُّ مِن نَسَبِ الوِلادِ وِدادُ

مَلَكَتهُ غَشيَةُ نَومَةٍ لاتَنجَلي

وَلِكُلُّ عَينٍ نَومَةٌ وَسُهادُ

وَدَّعتُهُ تَوديعَ مُكتَئِبٍ وَلا

غَيرَ المَعادِ لِلُقيَةٍ ميعادُ

وَنَفَضتُ مِنهُ يَدي بِعِلقِ مَضَنَّةٍ

فُتَّت بِهِ الأَكبادُ وَالأَعضادُ

وَتَرَكتُهُ وَالمَجدُ يُرغِمُ أَنفَهُ

مُتَوَسِّداً حَيثُ التُرابُ وِسادُ

في مَوطِنٍ نَزَلتَهُ جُرهُمُ قَبلَهُ

وَتَحَوَّلَت إِرمٌ إِلَيهِ وَعادُ

أُمَمٌ يَغُصُّ بِها الفَضاءُ طَوَتهُمُ

كَفُّ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَبادوا

سادوا وَقادوا ثُمَّ أَجلى جَمعُهُم

عَن وَحدَةٍ فَكَأَنَّهُم ماقادوا

عَفَتِ البُناةُ عَلى اللَيالي وَالبُنى

وَتَلاحَقَ الأَمجادُ وَالأَوغادُ

وَلَرُبَّما ذَبّوا وَذادوا عَن حِمى

مَلِكٍ هَوى فَكَأَنّهُم ماذادوا

فَأَصِخ طَويلاً هَل تَعي مِن مَنطِقٍ

وَاِنظُر مَلِيّاً هَل تَرى ماشادوا

زُمَرٌ يُعَدُّ بِها الحَصى مِن كَثرَةٍ

وَلَرُبَّما فَنِيَت بِها الأَعدادُ

أَلوى بِهِم وَلِكُلِّ رَكبٍ سائِقٌ

زَمَنٌ حَدا بِرِكابِهِم يَقتادُ

وَرَمى رَبيعَةَ بِالخُمولُ وَإِنَّما

كانوا بِعَبدِ اللَهِ فيهِم سادوا

بِأَغَرَّ وَضّاحِ الجَبينِ كَأَنَّهُ

تَحتَ الدُجُنَّةِ كَوكَبٌ وَقّادُ

مُتَبَسِّمٌ في هِزَّةٍ فَكَأَنَّهُ

غُصنٌ تَفَتَّقَ نَورُهُ مَيّادُ

وَطِئَ السِماكَ بِهِ التَواضُعُ رِفعَةً

فَكَأَنَّما اِتِّهامُهُ إِنجادُ

أَلقى الحِمامُ بِرَحلِهِ في مَنزِلٍ

نَزَلَت بِهِ الآباءُ وَالأَجدادُ

يَعلو بِهِ نَفَسٌ وَتَدمَعُ مُقلَةٌ

فَيُراحُ طَوراً تُربُهُ وَيُجادُ

فَوَقَفتُ أَندُبُ مِنهُ شِلواً داثِراً

ما إِن يُحِسُّ وَهَل يُحِسُّ جَمادُ

تَمحو صَحيفَةَ صَفحَتَيهِ يَدُ البِلى

عَبَثاً وَتَطوي ذِكرَهُ الآبادُ

فَخَلا بِرُغمِ المَجدِ مِنهُ مَنزِلٌ

مَلَأَت مَدامِعَها بِهِ الأَمجادُ

لَوَتِ الضُلوعَ بِهِ الأَصادِقَ لَوعَةٌ

وَلَرُبَّما رَقَّت بِهِ الحُسّادُ

مُتَقَلِّدٌ بِالدَمعِ حَلياً كُلَّما

عَطِلَت بِهِ مِن حَليها الأَجيادُ

يَبيَضَّ مُلتَحِماً وَيُظلِمُ وَحشَةً

فَكَأَنَّما ذاكَ البَياضُ حِدادُ

فَبَكاكَ مِن قَبرٍ كَريمٍ عارِضٌ

زَجِلٌ لَهُ مِن رَنَّةٍ إِرعادُ

نُحِرَ العَزاءُ عَلَيهِ لَم تُنحَر بِهِ

إِبِلٌ وَلَم تُعقَر عَلَيهِ جِيادُ

وَسَقاكَ وابِلُ رَحمَةٍ يَغشى بِها

جَنَباتِكَ الوُرّادُ وَالرُوّادُ

تَهفو البُروقُ بِجانِبَيهِ كَأَنَّما

عُقِرَت بِها خَيلٌ عَلَيكَ وِرادُ

فَبِطيبِ تُربِكَ أَيُّ بَيتِ قَصيدَةٍ

لَو أَنَّ ذاكَ البَيتَ كانَ يُعادُ

لاتَلتَقي عَينٌ عَلَيهِ وَنَومَةٌ

لَيلاً وَلا جَنبٌ بِهِ وَمِهادُ

وَاللَيلُ فُسطاطٌ هُناكَ مُطَنَّبٌ

ضُرِبَت لَهُ مِن أَنجُمٍ أَوتادُ

وَكَفى مَعاداً لِلتَلاقي في الكَرى

لَو كانَ يَسمَحُ بِالخَيالِ رُقادُ