هل في عتاب الحادثات غناء

هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ

أم هل لعيشٍ في الزمانِ صفاءُ

بَيْنا يُديرُ المرءُ كأسَ سُروره

كَرّتْ عليه ومِلْؤها أقذاء

فأبَى لنا إلاّ التَحَوُّلَ دائماً

أحوالُنا فكأنّها أفياء

ما إن يَزالُ يُشرِّقُ الإصباحُ في

نَهْجٍ بها ويُغَرِّبُ الإمساء

فاصحَبْ على الأَودِ الزّمانَ مُدارياً

فَطِلابُ تَقويمِ الزّمانِ عَناء

ملأَتْ لنا الأسماعَ داعيةُ الردى

وكأنّما أنا صَخْرةٌ صَمّاء

والموتُ للأقوامِ داعٍ مُسْمِعٌ

ما من عُمومِ ندائه استْثناء

والمرءُ في عِطفَيْهِ ينظُرُ نَخوةً

وإليه شزراً تنظر الأدواء

ومساحب الأذيال أجداث لنا

فَسَلُوا إذنْ ما هذهِ الخُيلاء

نَحدو مطايانا العِجالَ وخَلفَنا

أيضاً لسائقةِ المَنون حُداء

ونُنيخُ في البيداء نَعلَمُ أنّهُ

يوماً تَعوُدُ تُنيخُنا البيداء

لا بُدّ من ليلٍ يَمُرُّ على الفتى

لا تَنْجلي عن ضوئهِ الظّلْماء

أو من نهارٍ ليس خَلْفَ صباحِه

مِمّا يُعاجِلُه الحِمامُ مَساء

وكأنّما داعي المَنيّةِ قابِضٌ

كَبِدَ الحَنّيةِ رَمْيُه إصماء

والموتُ سِتْرٌ خَلْفَه من فِعْلنا

حَسناءُ تُرضِي المرءَ أو شَوهاء

بعدَ الفَناء بقاءٌ اعترفَتْ به

نَفْسي كما قبلَ الفَناءِ بقاء

ولقد خلا فِكْري بدَهْري عاذلاً

يَلْحاهُ كيف طغَتْ به الغُلواء

فأجابَ مُعتِذراً وقال مُخاطباً

ولسَمْعِ قلبي نحوَه إصغاء

إنّي ومَن سَمَك السّماءَ بقُدْرةٍ

واقتادَني قَدَرٌ لهُ وقَضاء

لَمُبرّأ من كُلّ ما اعتادَتْ له

نسباً إليّ لجهلها السفهاء

إن كنت سالب والداً له

فرجَعْتُ عنه ولي يَدٌ شَلاّء

وتَقطّعتْ أقرانُ عُمْري فانقضىَ

إن شئِتُ أن تَتَفرّقَ القُرناءُ

مَن قال قلبي ليس فيه رِقّةٌ

أو قال وَجْهي ليس فيه حَياء

فأنا الخصيمُ له بذاك غداً إذا

قامَتْ ليفصلَ بينها الخُصماء

أنا أشتهِي يا قومُ أن يُعطَى الغِنىَ

ذو النَقصِ فِيَّ ويُحْرَمَ الفُضلاء

أنا أرتضِي أن يُثْرَى اللُّومَاءُ في الدْ

دُنْيا ويَشكو الخِلّةَ الكُرماء

أنا مُلْصِقٌ للكَفِّ إمّا بالثّرى

أو بالثُّريّا إنْ أعانَ ثَراء

فِعْلاَي أخْذٌ فاجِعٌ وعَطيّةٌ

ويَدايَ هَدْمٌ فاحِشٌ وبِناء

لِيُساقَ من كلٍّ إليّ ملامةٌ

ويُساءَمن كُلٍّ عَلَيّ ثَناء

فاقْصُرْ ملامَك لي فما إنْ للفتى

بيدَيّ إسعادٌ ولا إشْقاء

أنا مثلُ قلبٍ فيه سِرٌّ مُودَعٌ

للهِ ما لِمَصونهِ إفْشاء

لا شَيءَ فِيَّ به تَعيبُ مَشيئتي

لكنْ مشئةُ مَن له الأشياء

ما الأمرُ فِيّ كما أشاءُ بحاةٍ

لا بل أَدورُ كما سِوايَ يَشاء

لو كان لي أَمْرٌ يُطاعُ وقُدْرةٌ

يوماً يُسَرُّ بها امْرؤ ويُساء

ما رُعْتُ صدْرَ الدّينِ قَطُّ برائع

ومن العِدا والحاسدينَ فِداء

كلاّ ولا لاقَيْتُه بمُلمّةٍ

من بَعْدِ أُخْرى والقلوبُ مِلاء

بل كنتُ واقيَ مَن عُلاه ومَجْدُه

لي دائماً مِمّنْ أذُمُّ وِقاء

أوَ ليس أصبحَ وحدَه ليَ غُرّةً

وجميعُ أهلي جِلْدَةٌ دَهماء

ما كان أكمَلَ فَرْحَتي لو أنّه

ما نالَ تلكَ الشُّعلة الإطفاء

لو أنّ هذا الهلالُ وقد بدا

للنّاظرين ليَستَتِمَّ نَماء

قد كانَ أزهرَ غابَ أُفُقِِ العُلا

فتبَادَرْت في إثْرِه زَهراء

جُرْحٌ على جُرْحٍ قريبٌ عَهْدُه

وكؤوسُ أشجانٍ حُثِثنَ وِلاء

وكأنّ ساقي الحُزْنِ أنكرَ فَضلةً

في الكأسِ أسْأَرَها له النُدَماء

فأدارَ ثانيةً علينا كأسَهُ

لتُنالَ تلك الجُرْعةُ الكَدْراء

والدّهرُ أنعُمهُ أُحادٌ إن أتَتْ

منه وأبؤسُه الشِّدادُ ثُناء

لا يَهنأِ الأعداءَ ما شَهِدوا وهل

لِعداكَ من خَطْبٍ عَداك هَناء

إن مَرًّ منك نَجيبُ مَجْدٍ راحلاً

فاسلَمْ لِتُخْلفَ بعدَه نُجَباء

ما ضَرّ أصلاً ثابتاً من دَوحةٍ

أنْ كان فرعٌ غَيّبتْهُ سَماء

أبدَتْ على يدِهِ الصعَادُ تأسُّفاً

فكأنَّ هَزّ مُتونِها صُعَداء

وأكبّتِ الأقلامُ تَبكي حَسْرةً

ولها عليه دَمعةٌ سَوداء

ولطَمْنَ بالغُرَرِ الجيادُ وُجوهَها

من حيثُ كان لَهُنّ فيه رَجاء

واعتَدَّ دينُ اللهِ عندَ نَعيّه

أنْ مَرَّفيه فَيْلقٌ شَهباء

أمُودِّعي طَوْعَ المنَونِ ومُودِعي

ناراً بها تَتَحَرَّقُ الأحشاء

أعزِزْ عليَّ بأن تُفارقَ فُرقةً

ما بعدها حتّى المَعادِ لِقاء

لادَرَّدَرُّ الموتِ ماذا ضَرَّهُ

لو كان عنك لطَرْفهِ اِغضاء

شَغفَتْ صفاتُكَ كُلَّ مُستَمعٍ لها

حتّى استَوى القُرَباءُ والبُعَداء

كم مقلةٍ نجلاءَ قد سفَحتْ دماً

فكأنّما هي طَعْنةٌ نَجلاء

كم أمّلَتْ يُمناكَ أنْ سَتُمِرُّها

دون الهُدى يَزَنيّةٌ سَمْراء

وصحيفةٌ فَيضاءٌ تَملأُ بَطْنَها

دُرّاً بها وصحيفةٌ بَيضاء

فشفَى غليلَ ثَراكَ كُلَّ صبيحةٍ

كنَدى أبيكَ سحابةٌ وَطفَاء

وأقام مَنكِبَ أرضٍ استَبْطنتَها

وعليه من وَشْيِ الرّياض رِداء

قد كان أَولْى مَن تَجنّبه الردى

لو حُوبِيَتْ في بَيتِه حَوباء

ولكان لو نَفع البُكا لَجَرى لنا

بَدَلَ الدُّموعِ من العيون دِماء

فتَعزَّ عنه وإن أمَضَّ مُضِيُّه

فإلى العَزاء تَردُّنا العَزّاء

ولئن تَقدَّم نحو ربِّك فارطاً

فالفارطون همُ لنا شُفَعاءُ

فَتصرُّمُ ابنِ ذُكاءَ خَطْبٌ هَيّنٌ

ما أشرقَتْ للعالمينَ ذُكاء

لا سِيّما ولك الشهّابُ المُنجلِي

عن وَجْههِ للأعيُنِ الظَلماء

وأخوهُ سَعْدٌ أكبرٌ وله إذا

أمسَى مُقارِنُ أصغرٍ لاْ لاء

فإذا بدا سَعْدانِ معْ بَدْرٍ كفَى

أن يَغْمُرَ الدُّنيا سناً وسَناء

إن أَجزعَ الأحبابَ وَشكُ رحيله

عنّا فلا تُسْرَرْ به الأعداء

قٌل للإمام ابنِ الإمامِ مَقالةً

حَقّاً لَعمرُك ليس فيه مِراء

بأبيكَ عَزّتْ أصفهانٌ مثْلما

شَرُفَتْ بَوْطءِ قُريشٍ البَطحاء

قد جاء جَيّاً والسُعودُ تَحُّفهُ

مُطِرتْ على عُلَمائها النَعماء

بأبيك ثمّ أخيك ثمّ بك أَبتتْ

للدّين فيه وأهلِها عَلْياء

أظهَرتُمُ في نَصرِ دينِ مُحَمّدٍ

ما ليس فيه على الأنام خَفاء

إن أَنكرتْ آثاركُم زُمَرُ العِدا

فَلكُم بها كُلُّ الورى شُهَداء

وجُحودُ مَن جَحَد الصباحَ إذا بدا

من بعدِ ما انتشرَتْ له الأضواء

ما دَلّ أنّ الصُبحَ ليس بطالعٍ

بل إنّ عيناً أنكَرْتَ عَمياء

خُذْها مُحَّبرةً تَخالُ بُيوتَها

حِبراً أجادَتْ صُنْعَها صَنْعاء

وَيقِلّ عن إهداءِ تَسليتي بها

لفتىً أغَرّ قصيدةٌ غَرّاء

ومِثالُ مَوعظتي لِمثلِكَ قَطْرةٌ

من ديمةٍ تُسقَى بها دَأماء

عيدانِ عيدُ مَسَرةٍ ومَساءةٍ

طَرَفان لا طافَتْ بك الأسواءُ

فأعِدَّ من صَبْرٍ وشُكْرٍ عُدّةً

فبمثْلِها تَتضاعَفُ الآلاء

كي تَرحلَ الضَّراءُ عنك إلى العِدا

وتُقيمَ خالصةً لك السّرّاء

لازلتَ تَبْقَى في ظلالِ سعادةٍ

فَبقاءُ مْثِلك للزّمان بَهاء