نصرت على الأعداء فليهنك النصر

نُصرْتَ على الأعداء فلْيهْنِك النّصرُ

ودامتْ لك النّعماءُ فليدُمِ الشُكرُ

وأسمحَتِ الأيّامُ بعدَ إبائها

ولانتْ لما تَهواهُ أعناقُها الصُّعر

أدَلَّ عليه المُلكُ إدلالَ واثقٍ

فباطنُه وُدٌّ وظاهرُه هُجر

وأذنبَ كي يُهدي إليك اعتذارَهُ

ويا رُبَّ ذَنبٍ كان جالبَهُ العُذر

وكنتَ له السِّرَّ الخطيرَ فصانَه

ولا بدَّ دونَ السِّرِّ أن يُسبَلَ السِّتْر

فغِبْتَ مغيبَ البدرِعندَ سِرارِه

وعُدتَ بأبهَى عَودةٍ عادَها البَدر

فعادَ إلى عَيْنِ الحسودِ بك القذَى

وعاد إلى وَجْهِ الَولِيِّ بك البِشر

وفاء إلى أفيائك المَجدُ والعُلا

ولاذَ بعالي رأْيِك النّهْيُ والأمر

وماذا رأى الباغي عليك ببغْيِه

ولولاك لم يُسدَدْ لمُلْكِهمُ ثَغر

وأنت غَنِيٌّ عنهمُ لو تَأمَّلوا

وما أحَدٌ إلاّ إليكَ به فَقْر

وما اعتَمَد الأقوامُ حَربَكَ غِرّةً

ولكنّهمْ غُرّوا بحِلْمِكَ فاغْتَرّوا

إذا كنتَ تُغْرَي أنت بالعَفْوِ عنهمُ

فليسَ عَجيباً بالتّجنِيّ إذا أُغْروا

فإن هَدموا قَصْراً عَمْرتَ لزائرٍ

فلن يَهدِموا المجدَ الذي ضمَّه القَصر

وإن نَهَبوا وَفْراً ذخَرْتَ لسائلٍ

فما زال من كَفَّيك يُنتَهَبُ الوَفْر

وما هو إلاّ العَيْنُ كُلُّ رزيئةٍ

إذا أخطأتْ إنسانَها أَمَمٌ نَزْر

كأنّي بهِ والعِزُّ مِلءَ عِراصِه

تُعفَّرُ في ساحاتِها الأوجُه الغُرّ

وحاشاكَ دونَ المجدِ أن يَطأوا حِمىً

حَمْيتَ وأنْ يُخْشَى لساكنهِ ذُعْر

مَكانُك أعلى أن يُبِيحوا له الحِمَى

وأوسَعُ عِزّاً أن يُحِيطَ بهِ الفِكْر

ومَن يكنِ البْدرَ المنيرَ فإنّما

مَنازِلُه إن قيست الأنجمُ الزُّهْر

ولمّا رأوا أنّ الأمورَ مُضاعَةٌ

وأنّ الّذي أبدوْا عواقبُه الخُسر

وأنّ فتىً ما أنت مَقْصودُه عَمٍ

وأنّ يداً ما أنت مالِئُها صِفر

أتَوكَ فأعَطْوكَ المَقادَ بأسرِهمْ

وعَفَّى على آثارِ ما أذْنبوا عُذْر

وأهوَتْ إلى أرضٍ وَطِئْتَ شِفاهُهمْ

وجَلّتْ عنِ التّقبيلِ أنملُكَ العَشْر

يُحَيّونَ مَلْكاً عظّم اللّهُ قَدْرَه

وأَعلاه حتّى ليس يَعْدِ لَهُ قَدر

دَعاهمْ فلَبَّوهُ إلى الحِلْفِ دَعوةً

فأَقبلَ مُختارٌ إليهِ ومُضطَرّ

ولو لم يُعَدَّ الرِّفْقُ ألْيقَ بالفتَى

لَقادَهُمُ طُرّاً إلى الطّاعةِ القَسر

إذا ما أتَى التَّوفيقُ من دونِ واحدٍ

تَقاصَرَ عنه وَحْدَه العَدَدُ الكُثر

وهل يَضَعُ الحُسّادُ من مَجدِ ماجدٍ

وللّهِ في إعلاء رُتْبتِه سِرّ

وأمّا الرّعايا فهْي في ظِلِّ نعمةٍ

منَ الأمنِ لا يُزْري ببَهْجَتِها الكفر

نَشاوَى من الإدلاجِ حتّى كأنّما

زمانُك ساقيهمْ وأيّامُك الخَمر

رأَوْا منك عدْلاً فوق ما حُدِّثوا بِه

وما خَبَرٌ إلاّ ويَكْشِفُه خُبر

وألّفْتَ بالإحسانِ بينَ قُلوبِهمْ

فأوثَقَها من سِرِّ إخلاصِها أَسْر

وقد كان منهم مَن يقولُ سَفاهةً

أبعدَ نظامِ المُلكِ يَنْتظِمُ الأَمر

فقد حارَتِ الأفهام فيما سنَنْتَه

من الجودِ حتّى ما لِمفقودِهمْ ذِكر

وهَوَّنَ فَقْدُ الفَجرِ أن كان بَعدَهُ

من الشَّمسِ ما يُنْسَى لمَوْضِعِه الفَجر

فيا مَلِكاً عاداتُ هِمّتِه عُلاً

ويا واهباً أمطارُ راحتِه غُزْر

كسَوْتَ يمينَ الدّولةِ المَلْكِ حُلّةً

فدانَتْ له الدُّنيا وعَزَّ بِه النَّصر

رأَوْا أنّ شِبْلاً أنت حاميهِ ضَيغَمٌ

وأنّ هِلالاً أنت صاحِبُه بَدر

إذا كنتَ أنت الدّهْرَ بل أنت فَوقَهُ

تُساعِدُه في كلِّ نائبةٍ تَعْرو

فلا يَكُنِ المَغرورُ مُستَصغِراً له

فليس صغيراً مَن يُساعِدُه الدَّهر

لقد نِلْتَ بالأقلامِ ما يُعجِزُ القَنا

وبالرَّأْيِ ما يَعْيا بهِ العَسكَرُ المَجْر

فَمُثْنٍ على آثارِك السَيفُ والنَّدى

ووَقْفٌ على أَفعالِكَ الحمدُ والشُكر

بَقِيتَ ولا أَبقَى لك اللّهُ كاشِحاً

وعُمِّرْتَ للعلياء ما سَرَّكَ العُمر

وهُنِّئْتَ ذا العِيدَ السّعيدَ ومِثْلَه

أُلوفاً منَ الأعيادِ مالأْلأَ الغَفْر