من لم يشاهد موقفا لفراق

مَنْ لم يُشاهِدْ مَوْقِفاً لفِراقِ

لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تَولّهُ العُشَّاقِ

إنْ كُنْتَ لَمْ تَرَهُ فسائِلْ مَنْ رأى

يُخْبِرْكَ عن وَلَهِيْ وهَوْلِ سياقي

مِنْ حَرِّ أنفاسٍ وخَفْقِ جَوانحٍ

وصُدوعِ أكْبادٍ وفَيْضِ مآقِ

دُهِيَ الفُؤادُ فلا لِسانٌ ناطِقٌ

عِنْدَ الوَداعِ ولا يَدٌ متراقِ

ولَقَدْ أُشيرُ لِمَنْ تكلَّف رِحْلَةً

أنْ عُجْ عَليَّ ولو بقَدْرِ فُواقِ

عَلّي أُراجِعُ مِنْ ذَماي حشاشَةً

أشكو بها بَعْضَ الذي أنا لاقِ

فمضى ولَمْ تَعْطِفهُ نَحْويَ ذمَّةٌ

هَيْهاتَ لا يَثْني عَلى مُشْتاقِ

يا صاحِبَيَّ وقَدْ مَضى حُكْمُ الهَوى

رُوحا عَلَيَّ بِشيمةِ الإشْفاقِ

واسْتَقْبلاها نَسْمَةً من أرضِكُمْ

فَلَعَلَّ نَفحتها تَحُلُّ وَثاقي

إنّي لَيَشْفيني النَّسيمُ إذا سَرى

مُتَضَوِّعاً من تِلْكُمُ الآفاقِ

مَنْ مُبْلغٌ بالجزعِ أهلَ مَوَدَّتي

أنِّي على حُكْمِ الصَّبابةِ باقِ

ولئن تحوَّل عهدُ حُبِّهِمُ نَوىً

ما حُلْتُ عَنْ عَهْدي وعَنْ مِيْثاقي

أنِفَتْ خَلائقيَ الكِرامُ لخِلَّتي

نَسَباً إلى الإخْلالِ والإخْلاقِ

قَسماً به ما اسْتَغْرَقتني فِكْرَةٌ

إِلّا وفِكْري فيهِ واستغراقي

لي أنَّةٌ عند العشِيِّ لَعَلَّهُ

يُصغي لها وكذا معَ الإشراقِ

أبْكي إذا هَبَّ النسيمُ فإن تَجِدْ

بَلَلاً به فَبِدَمْعِيَ المُهْراقِ

أُومي بِتَسْليمٍ إليهِ مع الصَّبا

فالذِّكْرُ كُتبي والرِّفاقُ رِفاقي

مَنْ لي على شَحْطِ المَزارِ بنازحٍ

أدنى لِقَلْبي مِن جَوى أشواقي

إنْ غابَ عنْ عَيْني فَمثْواهُ الحَشا

وسُراهُ بَيْنَ القَلْبِ والأحْداقِ

جارَتْ عَليَّ يَدُ النَّوى بفِراقه

آهاً لِما جَنَتِ النَّوى بفِراقِ

أحْبابَ قَلْبي هَلْ لِماضي عَيْشِكُمْ

رَدٌّ فَيُنْسَخَ بُعْدُكم بِتَلاقِ

أمْ هَلْ لأَثْوابِ التَّجلُّد راقعٌ

إذْ لَيْسَ مِن داءِ المحبَّةِ راقِ

ما غابَ كوكبُ حُسْنِكُمْ عنْ ناظِري

إِلّا وأمْطرتِ الدِّما آماقىِ

إيهٍ أُخَيَّ أدرْ عليَّ حَديثَهُمْ

كأْساً ذَكَتْ عَرْفاً وطيبَ مَذاقِ

وإذا جَنحتَ لماءٍ اَوْ طَرَبٍ فمنْ

دَمْعي الهَمُوعِ وقَلبيَ الخفَّاقِ

ذِكراهُ راحي والصَّبابةُ حَضْرَتي

والدَّمْعُ ساقِيَتي وأنْت السَّاقي

فَلْيَسْلُ عَنِّي مَنْ لَحاني إنَّني

راضٍ لما لاقَيْتُه وأُلاقي