لها في حمى مني وراء الترائب

لها في حمىً منّي وراء التّرائب

مَنازلُ لا تُغشَى بأيدي الرّكائبِ

تُراحُ بأنفاسي إذا ما ذكَرتُها

وتُمطَرُ وَجْداً بالدُموعِ السّواكب

وليس دَمٌ يَجرِي من العينِ بعدكم

بشيءٍ سوى قلبٍ من الشّوقِ ذائب

فوالله ما أدريِ إذا ما نَزفْتُه

وأذْهَبْتُه هل حُبُّ لَيلَى بذاهب

وما القلبُ محبوباً إليَّ لخَلةٍ

سوى أنه منّي مكَانُ الحبائب

وقَفْنا لتسليمٍ على الدّارِ غُدوةً

ولا رَدَّ إلا من صداها المُجاوب

ولم تَخْلُ عَيْني من ظباء عِراضِها

ولكنْ أرتْنا الوحشَ بعد الرَّبائب

ولمّا عَرضْنا للحُمولِ وأعرضَتْ

كُعوبُ قناً يُحطمنَ دونَ كواعب

غواربُ أقمارٍ جوانحُ للنَّوى

وقد حَمَلتْها العيسُ فوق غَوارب

كأنّ على الأهداب من قَطْرِ دمْعِها

لآليُّ تُلقَى من أكُفِّ ثواقب

تُعرضُه فوق الكثيبِ فوارسٌ

وهم عارَضُوا الأرماحَ فوق الكَواثب

سَلَلْنَ سيوفاً من جفونٍ وِجئنَنا

يُحَيَّينَ بالألحاظِ خوفَ المُراقِب

فلم أر كاليوم اجتلاءَ مُسالمٍ

مع الأمْنِ يُبْدي عن سلاحِ مُحارب

ويومَ النَّوى لمّا أظلّتْ جُنودُه

حمىً كان من قلبي منيعَ الجوانب

أَذمَّتْ لنا سَلمى عشّيةَ سلَّمتْ

علينا لتوديعٍ بإيماء حاجب

فما شَبَّهتْ عيني لها قوسَ حاجبٍ

أشارَتْ به نحوي سوى قوسِ حاجب

فحتامَ أستشِفْي ضلالاً بقاتلٍ

وحتّام أستَجْدي نوالاً لناهب

ولا سِيَّما من بَعدِ ما شَقَّ ليلتي

من الشّيبِ فَجْر صادِقٌ بعد كاذب

فمَن مُبلغٌ سكانَ بابلَ قولةً

وليس المَّدى إن قلتُ بالمُتقَارب

أأحبابَنا جادتْ معاهدُ أُنسها

بقُربكُمُ غُرُّ السَّحابِ الهواضب

وما كنتُ إلا والمهامهُ بيننا

أُجانبكُم والقلبُ غيرُ مُجانب

غَوالبُ أشواقٍ أُتيحتْ حوادثٌ

غوالبُ من دهري لتلك الغوالب

وما السّيفُ إلا من كُلولٍ بمَضْربٍ

إذا مانبا أو مِن كُلولٍ بضارب

كفى حَزَناً أن يُقْرِنِ الدهر الدونكم

عداً بعوادٍ أو نوىً بنوائب

فلا وصْلَ إلا أن تُقِصّرَ دونه

طِوالُ اللّيالي والقنا والسباسب

بجَوّالةِ الأنساعِ جوّابةِ الفَلا

يِسرْنَ بنا في البيدِ سَيْرَ المُواظب

طوارِدِ أيدٍ في الظلامِ بأرجلٍ

سَوارٍ على طُولِ الفلاةِ سَوارب

إذا هي أضحَتْ بالظَّلالِ متالياً

رجَعْن لدى التّهجيرِ مثْلَ السّلائب

أقولُ لأدنَى صاحبَي مُسايراً

ومن شيمتي نُصْحُ الخليلِ المُصاحب

وفي شُعبِ الأكوارِ ميلاً من الكرَى

عصائبُ ألوْى لوْنُهُم بالعصائب

وقد ماجَ للأبصارِ بحرُ صبيحةٍ

به الشُّهْبُ دُرٌّ بين طافٍ وراسب

وأهْوَى الثريّا للأُفولِ بسُدْفةٍ

كما قُرّبَتْ كأسٌ إلى فَمِ شارب

وغَنّى وراء الرّكبِ حادٍ مُطَرّبٌ

يُزعزِعُ من أعطافِ نُوقٍ مَطارب

أزوّارَ زوراء العراقِ تَبادَروا

وما عُذْرُ نُجْبٍ في مُتونِ نَجائب

لها بعد خِمْسٍ فَيْضُ خمسةِ أبحُرٍ

إذا وردَتْ أو فَيض خَمْسِ سَحائب

لكفَّىْ عليٍّ ذي المعالي التي سَمَتْ

وهل فوقه من مُستَزادٍ لراغب

رِدُوا يا بني الآمالِ جَمّةَ جُودِه

فما البحرُ من غَرفِ الأكُفِّ بناضب

وسيروا إلى ظلٍّ من العَدْلِ سابغٍ

وميلوا إلى نجْمٍ من الفضلِ ثاقب

إلى بيتِ جُودٍ ما يزالُ حَجيجه

يُوافُونَ مِلْءَ الطُّرقِ من كُلّ جانب

إذا مَدَّتِ الأعناقَ أجمالُ سائرٍ

إليه تَلقّتْهُنّ أجمالُ آئب

فلم نَدْرِ ماذا منه نَقْضِي تَعجُّباً

سُؤالُ المطايا أم جوابُ الحقائب

من القوم مَغْشيُّ الرِواقِ يُؤُمُّه

بنو الدهرِ من ناءٍ ودانٍ مُصاقِب

تَسيحُ مياهُ الجودِ من بطْنِ كفّهِ

لكلّ أُناسٍ فهْي شَتّى المَشارب

وتَحسَبُ ما يَبْدو به من خُطوطِه

أساريرَ كَفّ وهْي طُرْقُ المَواهب

أخو مَنصبٍ في الدّهرِ لمّا سَما به

تَجاوزَ في العلياء كُلَّ المَناصب

فلم يَحكهِ أبناءُ عصرٍ مُباعدٍ

ولم يَحْكه أبناءُ عَصْرٍ مُقارب

وما ألْفُ ألْفٍ عُدِّدَتْ غيرُ واحدٍ

وقد خَطّها مَعْ نَقْصها كَفُّ حاسب

فأقبلَ ذاك الواحدُ الفَردُ آخراً

وصيرَ أصفاراً جميعُ المَراتب

بمُشْبِهةٍ قبل الكَمالِ وبعدَه

وما كلُ تَشبيهٍ سَمِعْتَ بصائب

سوى وزراءِ الدَّهرِ لمّا انتهى المَدى

إلى الصّاحبِ المُوفي على كلّ صاحب

وفَى بالنّدى فيهم وأَوفَى عليهمُ

وأَغنَى حُضورٌ منه عن كُلِّ غائب

وقد كان مثْلَ البدرِ بين كواكبٍ

فأصبح وهْو الشّمسُ بعد الكواكب

ولا عَيْبَ فيه غيرَ أنَّ كمالَه

إلى عُوذةٍ يَحتاجُ من قولِ عائب

وما روضةٌ بات النّسيمُ مُجَرِّراً

عليها ذُيولاً عاطِراتِ المَساحب

كأنَّ يدَ البَرّاضِ حَلّتْ بأرضها

لطائمَ كسرى للأكفِّ النَواهب

بأعبقَ نَشْراً من شمائله ولا

لَه من ضريبٍ في حَميدِ الضّرائب

يَفُلُّ العِدا بالكُتْبِ من لُطْفِ رأيهِ

فإن لم يُطيعوا فَلّهم بالكتائب

إذا استنطقَ الخطبُ الرجالَ جلالةً

ففي كفِّه العلياءِ أَبلغُ خاطب

خطيبُ له يعلو ذؤابةَ مِنْبَرٍ

رفيعٍ مَراقيهِ عُقودُ الرواجب

يُريكَ اعتِماماً بالسّوادِ يُديمُه

وليس يُبالي باختلافِ الجَلابِب

بكَفِّ هُمامٍ كلّما طاعَن العِدا

بما خَطَّ جَلّى عن نُفوسٍ عَواطب

فهُنّ قنا خَطٍّ قنا الخَطِّ عنده

كليلٌ شَباها في الأمورِ الحَوازب

إذا استخدمَتْها منه كفٌ مشَت له

بأرْؤسِها يَسحَبْنَ فَضْل الذَوائب

بشيِبٍ إذا صافَحْن يُمناه ما عَدتْ

من اليُمْنِ أن عادَتْ ذواتِ شبَائب

ولمّا أطالَ الدّهرُ أيّامَ فتْنةٍ

وصُمَّ فلم يسمَعْ مَقال المُعاتِب

وظَلَّ رداء المُلكِ من عِطْفِ ربِّه

تُجاذبِهُ ظُلْماً يدا كلِّ جاذبِ

أعَدْتَ إليه نظرةً فتَبَرَّجَتْ

مَحاسنُ للأيّامِ بعد مَعايب

فجاد علينا مُغْدِقٌ بعد مُعْرِقٍ

وهَبَّ علينا ناسِمٌ بعد حاصب

دعاك أميرُ المؤمنين صَفِيه

فأولاك وَدّاً صافياً من شَوائب

وأرْعاك سلطانُ الورى أمْرَ مُلْكه

فناصَحْتَهُ والنُّصْحُ سِلْكَ المَناقب

فأنقذْتَ دينَ اللهِ من كفِّ مارِقٍ

وكان كسِلْوٍ بين نابَيْهِ ناشب

رأى اللّيثُ فَرّاسَ اللُّيوثِ أمامَه

فراغَ عن الهيجاء روْغَ الثعالب

وخافَ افتِراساتِ الهِزَبْر الّذي له

من القَصَب المَبْريّ بَعْضُ المَخالب

وَثوبٌ إلى الأقرانِ سَطْواً وكَيْدُه

أدقُ لظَهر القِرْن إن لم يُواثِب

له طَرْفُ رأْيٍ لم تَزل تَجْتلِي بهِ

وُجوهُ المَساعي في مَرايا العَجائب

وإن يَهْرُبِ الباغي فكم من مُهالكٍ

مَصائدُها مَنصوبةٌ في المَهارِب

كمَنْ قد نجا من أصفهانَ وما نجا

فلاقَى بخُوزِستان شَر المَعاطب

فولّى برأْيٍ منه في الرشْد راجلٍ

فعادَ برأسٍ منه للرُّ مْح راكب

وهل هارِبٌ يَنْجو إذا أنت للِعدا

أبا طالبٍ أبدَيْتَ صفْحةَ طالب

فلا زال أسماعُ الملوكِ أوانِساً

لديكَ بأخبار الفُتوح الغَرائب

إذا قِيدَ قُرْجٌ من فُتوحٍ مَشارقٍ

تلَتْهُنّ غرٌّ من فُتوح مَغارب

ودونكَها دَقّتْ معاني بُيوتها

ورقّتْ حواشي لَفْظِها المُتَناسب

وقالوا سهامُ المَدْح كانتْ خواطئاً

فقلتُ لهم هذا أوانُ الصّوائب

ولولا رجائي في عَليّ بْنِ أحمدٍ

لقد كان نِضْوي للفلا غيرَ جائب

ولا خابَتِ الآمالُ فيك بحالةٍ

فما أمَلُ الأقوامِ فيك بخائب

وهُنِّئْتَ شهرَ الصّومِ وَفْدَ سعادةٍ

يُدِلُّ بحَقٍّ للعبادةِ واجب

فزِدْهُ كما زِدْتَ الوفودَ كرامةً

فأنت بحُسنِ الذِكْرِ أكرمُ حاسب

فأكْرِمْه واكسِبْ حَمْدَه عند حَلّه

وتَرحالِه في العِزِّ يا خيرَ كاسب

لك العيدُ مثْلُ العَبْدِ سائقُ صِرْمةٍ

ثلاثينَ بيضٍ جائياتٍ ذَواهب

إذا عزَبتْ في كُلِّ عامٍ أراحَها

إليك على يُمْنٍ مُراحُ العوازب

فأجْزلِ قِراهُ من سرورٍ وبهْجةٍ

وأثقِلْ قَراه باللُها والرَّغائب

ودُمْ للعلا ما دام منه ترَدٌ

على سَننٍ من مُدّةِ الدّهرِ لاحب

وزِدْ في رياض المُلْكِ عزّاً ورِدْ بها

من العِزّ عذْباً شُربُه غيرُ ناضب

وتأتيك أعطالاً فيرجعن دائماً

وهن حوال باللها والرغائب

جعلْتَ العطايا منك مهراً لدولةٍ

هداها إليكَ اللهُ يا خيرَ خاطب

فلا زال يُصفي غيْرةَ اللهِ دُونه

لمُلكِكَ صَوْناً خلْفَ سِتْرِ العواقب