تولت من الظلماء تلك الدياجر

تَوَلَّتْ من الظَّلماء تلكَ الدياجرُ

وشاقَكَ طيفٌ من أميمةَ زائرُ

سرى حيث لا واشٍ هناك يصدّه

ولا لَمَحتْه من رقيب نواظر

ووافى على بُعد المزار فليته

أقام وقد آوَتْه تلك المحاجر

يبلُّ غليل الشَّوق من ذي صبابة

يذكّره المنسيَّ في الحبّ ذاكر

تذكّرت فيما بعد ذلك نائياً

فلا هو بالداني ولا أنا صابر

فيا ليت شعري هل يعود لي الصبا

وتألف هاتيك الظباء النوافر

فأغدو إلى ما كنت أغدو وللهوى

على برحاء الوجد عين وناظر

فلله عهدٌ بالصبابة مرّ بي

وما فتكت أحداقهن الجآذر

أعاذلتي والعتب بيني وبينها

رويدك فالأنصاف لو كانَ عاذر

لبست الضنى حتَّى أبادني الضنى

وخامَرَني في الحبّ داءٌ مخامر

وحسبُك أنِّي فيك يا ميٌّ وامقٌ

وأنِّي امرؤٌ مما يريبك طاهر

وهل تَعْلَقُ الفحشاء من ذي صبابة

وقد كَرُمَتْ نفسٌ وعفَّت مآزر

زكوتُ فما ألمَمْتُ يوماً بريبة

ويزكو الفتى من حيث تزكو العناصر

تطالبني نفسي بما تستحقُّه

وإن أجْحفت فيها الجدود العواثر

تحاول مجداً في المعالي ورفعة

فيرجى لها نيل وتخشى بوادر

فأكرمتُها أن صُنتُها عن دنيّة

وإنِّي بها في الأنجبين أفاخر

أنوء بأعباء المروءة حاملاً

من الهمّ ما لا تستطيع الأباعر

وأزداد طيباً في الخطوب كأنّني

أنا المندليّ الرطب وهي مجامر

فما ساءني فقرٌ ولا سرّني غِنىً

وعرضي لم يُكْلَمْ إذا هو وافر

سواءٌ لديَّ الدهر أحسنَ أم أسا

وما ضائري من حادث الدهر ضائر

فمن عزماتي للهموم معاذر

ومن كلماتي للنجوم ضرائر

ولي في بلاد الله شرقاً ومغرباً

نوادر من حُرِّ الكلام سوائر

شواردها حلي الملوك وصوغها

من اللفظ إلاَّ أنَّهنَّ جواهر

تحضّ على الذكر الحميد بفعله

وفيها لأرباب العقول بصائر

إذا اختَبَرتْ كُنْهَ الرجال بعلمها

أفادَتْك عِلماً والرجال مخابر

سقى الله حيًّا فيه أبناءُ راشد

سمامُ الأعادي والسيوف البواتر

ومنزلة بين الفرات ودجلة

إذا لم يكن فيها المشير فناصر

إذا نزلوا الأرض المحيلة أخْصَبتْ

وجادت عليها المرسلات المواطر

صوارمهم نارٌ وأمَّا أكفُّهُم

فأبْحُرُ جودٍ بالنوال زواخر

يروقك في داجي الحوادث منهمُ

وجوهٌ عن البدر المنير سوافر

فهذا غمام بالمكارم ماطر

وهذا حسام للمعاند قاهر

يقي من سموم الحادثات بنفسه

إذا لَفَحتْها بالسموم الهواجر

وأرضاً حَماها ناصر بحسامه

حمىً لم يطأه للنوائب حافر

رحى الحرب إنْ دارت رحاها فإنَّه

هو القطب ما دارت عليه الدوائر

ومتَّخذٍ بيض الأَسنَّةِ والظبا

موارد تستحلى لديها المرائر

وحسبك يوم الرَّوع من متقدم

إذا أحجمت فيه الأُسود القساور

يُريعُ ولا يرتاع يوماً لحادثٍ

ومن ذا يريعُ اللَّيثَ واللَّيث خادر

فيا مُورِدَ الفرسان في حومة الوغى

مواردَ حتفٍ ما لهنَّ مصادر

تطلَّبتها حتَّى ظفرت بنيلها

ولا مطلبٌ إلاَّ العُلى والمفاخر

وراثة آباءٍ كرامٍ تقدَّموا

أوائلهم أربابها والأواخر

تطاولت حتى نلت أعلى مقامها

بطول يدٍ طولى وما أنت قاصر

ومن ذا الَّذي يدنو إليك مبارزاً

وأنتَ على أنْ تصرع اللَّيث قادر

بوجهك يا سَعْدَ البلاد تطلَّعَتْ

مطالع فيها للبعاد بشائر

وما شقيت من آل بيتك عُصبَةٌ

وأنْتَ بهم في العدل ناهٍ وآمر

يُؤَمِّلهم من جود كفِّك نائل

ويزجرهم من حد سيفك زاجر

تهابك في أقصى البلاد وإنْ نأتْ

قبائل شتَّى لم ترع وعشائر

تنام عن الدُّنيا وما أنتَ نائم

وحزمك يقظانٌ وسعدك ساهر

تخافك أعداءٌ كأنَّكَ بينَهُم

وما غِبْتَ عن قوم وبأسك حاضر

إذا قيلَ في الهيجاءِ هل من مبارزٍ

فما عُقِدَتْ إلاَّ عليك الخناصر

فإنَّ بني أهليك في كلِّ موطنٍ

بدور المعالي والنجوم الزَّواهر

وإنَّ بني أهليك لله درّهم

أَكابر أَقوام نمتهم أكابر

فلا غَرْوَ أن أرتاحَ يوماً بمدحكم

ويسمحَ لي في نظمي الشعر خاطر

فإنِّي بكم أبناء راشد شاعر

وإنِّي لكم ما دُمْتُ حيًّا لشاكر

فلا راعت الأَيَّام قوماً ولا خَلَتْ

ديارٌ بها من آلِ بيتك عامر