من القاتلات الصب بالهجر في الهوى

من القاتلاتِ الصَّبَّ بالهَجْرِ في الهوى

وما لِقتيلِ الغانياتِ مُقيد

فإمّا تَريْنِي قد جزِعْتُ لبَينِكُم

فإنّي على ريْبِ الزّمانِ جليد

ومِمّا شجاني أن عفَتْ مِن ديارِها

معاهِدُ لم تُذْمَمْ لهُنَّ عُهود

وألقَتْ بياضاً في سوادِي بمَرِّها

من الدّهرِ بِيضٌ مايَنِين وسُود

ويَأْبَى جديدُ الدهرِ أن يُعدمَ البِلى

عليه وحاشا وُدَّكنَّ جديد

وماضٍ منَ الأيّامِ أمَّا ادِّكارُهُ

فدانٍ وأمّا عهْدُه فَبعيد

إذا ذَكرتْه النَّفْسُ فاضَتْ مدامِعٌ

وعاد المُعنَّى للصَّبابةِ عِيد

أُهوِّنُ خطْبَ النّاظِرَيْنِ فإنّما

هما اثْنانِ كلٌّ بالدُّموعِ يجود

ولكنّما أَرْثي لقلبي فإنّه

يُلاقِي جُنودَ الهمِّ وهوْ وحيد

خليليَّ ضاف الشَّوقُ رحْلِيَ طارِقاً

فهَبَّتْ قلوبٌ والعُيونُ رُقود

وأقبَل زَوْرٌ طافَ في نَعْسةِ السُّرى

وأعناقُنا فوق الرّكائبِ غِيد

خيالٌ تَجلَّى آخِرَ الليَّلِ وجْهُه

فصَحْبِي إليه في الرِّحالِ سُجود

وقد لاحَ للسّاري من الصُّبْحِ ساطِعٌ

أمالَ خِباءَ الليّلِ منه عَمود

أقولُ وتحت الرَّكْبِ تخْتَلِسُ الخُطا

ضوامِرُ أشباهُ الأزِمَّةِ قُود

إذا زُرْتِ بي بابَ الوزيرِ وأُلقِيَتْ

بمُنتَجَعِ الآمالِ عنكِ قُتود

أَعدْناكِ عزّاً والإباضُ ذوائبٌ

لأيدِيكِ منّا والسَّريحُ خُدود

فِسِيرِي إلى أكنافِ أبيضَ ماجِدٍ

مَغانيهِ روْضٌ للعُفاةِ مَجود

إلى ظِلِّ مَلْكٍ بالمعالي مُتَوَّجٍ

له الأرضُ دارٌ والأنامُ عبِيد

يُقَلِّدُهم طوْقيْ نجيعٍ ونائل

إذا شاء بأْسٌ من يديْهِ وجُود

ولمّا رأَينا العَدْلَ ولنّى كأنّه

بأطْرافِ آفاقِ البلادِ شَريد

وقد رفَعَتْ سِجْفَ الخطوبِ حوادثٌ

وباحَتْ بأسرارِ المَنونِ غُمود

ففي كُلِّ شِبْرٍ بالخِلافِ خوارج

وفي كُلِّ أرضٍ للغُواةِ جُنود

ولا مَلِكٌ تُنْهَى إليه ظُلامَةٌ

ولا وزَرٌ يأْوِي إليه طَريد

تَجرَّدَ لُطْفُ اللّهِ من بَعْدِ فتْرةٍ

كذاك لإمْهالِ البُغاةِ حُدود

وقام نصيرُ الدِّينِ ضامِنَ نَصْرِه

على حينَ شيطانُ الضَّلالِ مَريد

فظلَّتْ عيونُ الخَلْقِ وهْي قريرةٌ

وأصبَح ظِلُّ الأمْنِ وهْو مديد

فقُلْ للرَّعايا يشْكرُوا لزمانِه

فمُرتقَبٌ للشّاكرِين مَزيد

فقد عادتِ الدُّنيا لنا مُستَقيمةً

بأَرْوعَ سهْمُ الرَّأْيِ منه سديد

وأَصبَح هذا المُلكُ من بَعْدِ عُطْلِه

زماناً ومِلْءُ الجِيدِ منه عقود

يُدبِّرُهُ سَعْدٌ وأَثْبَتُ قائمٍ

على الدّهرِ أَمْرٌ دبَّرتْه سُعود

وما كان إلاّ دُرّاً انْحَلَّ سِلْكُه

إلى أن أعاد النَّظْمَ منه مُعِيد

فتىً كَمُلتْ فيه المَحاسِنُ كلُّها

فلم يبْق فيه ما يَعيبُ حَسود

وساد كُفاةَ المُلْكِ قِدْماً بفَضْلِه

وذو النَّقْصِ إذ تخْلو الديارُ يسود

وما نال مُلْكاً بالمُنَى ولربّما

تَنبَّهُ للقومِ النِّيامِ جُدود

ولكنْ بطُولِ الخوضِ في غمَراتها

وبطْشُ المنايا بالرِّجالِ شَديد

ومهْزوزةِ الأعطافِ سُمْرٍ كأنّها

إذا خطَرتْ للنّاعماتِ قُدود

وخوّاضةٍ ماءَ الرِّقابِ من العِدا

لها صَدرٌ ما ينْقَضِي وورُود

وخيْلٍ كعِقْبانِ الشُّرَيفِ مُشيحةٍ

عليها الكُماةُ الدّارِعون قُعود

سِهامٌ لمَنْ يَحْمِلْنَهُ يومَ نجْدةٍ

وأما لِمَنْ يطْلُبْنَه فَقُيود

فَقُلْ للعِدا هذا بدِيءُ عِقابِه

فإنْ سَرَّكم ما تعْلمون فعُودوا

أما راعكُم يومٌ جلافيه بأْسَه

فكادتْ له الأرضُ الفَضاءُ تَميد

ومُستَدْرِجُ الأعداءِ من تحت حِلْمِه

فيَفْترشون الأمنَ وهْو يَكيد

ستَعلمُ أبناءُ الشِّقاقِ إذا انتَهى

مدى حِلْمِه ماذا بِذاك يُريد

إليكَ حثَثْنا السُّفْنَ والعِيسَ فارتَمتْ

غِمارٌ بأصحابي تُخاضُ وبيد

كأنّا نُبارِي الشُّهْبَ في كُلِّ قُنَّةٍ

فمِنّا هُبوطٌ تارةً وصُعود

وما النّجمُ أعْلى من صِحابي مَحلَّةً

ونحن إلى سامِي ذُراك وُفود

وإنّ امْرأً في النّاسِ يتْعَبُ عاجِلاً

ويَعلمُ عُقْبَى أمرِه لسَعيد

وَلِيتُ بأرْجانَ القضاءَ ولم أكنْ

عرَفْتُ بها أنّ الخُطوبَ شُهود

وقد كنتُ أرضَى بالقليلِ قناعةً

زماناً لرِيحِ الفضلِ فيه رُكود

فأمّا إذا ما عنَّ بحْرٌ لِوارد

فلا عُذْرَ أن يعلُو الوُجوهَ صَعيد

نعَمْ نُوَبٌ أَلْوَتْ بما قد حَويْتُه

فلم يبْقَ منه طارِفٌ وتليد

سِوى أملٍ عَلَّقْتُه بِكَ راحِلاً

ومن أين للآمالِ عنك مَحيد

إذا أنت سُدْتَ الناسَ في ظِلَّ دولةٍ

وأورقَ منها بالمُنَى لك عُود

فبِتْ ساهِراً وامْلأْ عُيونَهمُ كرىً

إذا شِئْتَ أن تحْيا وأنتَ حَميد

وما المالُ إلاّ للمعالي ذَريعةٌ

ولا الذِكْرُ إلاّ للكِرامِ خُلود

ودُونَك فاسْمَعْ من ثنائي بديعةً

تُقِيمُ مع الأيّامِ وهْي شَرود

وما حِليةُ الأملاكِ مِمّا أَصوغُه

سِوى دُرَرٍ أسماؤهُنَّ قصيد

تَجيءُ على سَومِ الأراذلِ رذْلةً

وإنْ هِيَ قِيلتْ في الجَوادِ تجود

بقِيت ولا أبقَى الردى لك كاشحاً

فإنّك في هذا الزَّمانِ فَريد

عُلاك سِوارٌ والممالكُ مِعْصَمٌ

وجُودُك طوْقٌ والبَرِيّةُ جِيد