أنى تماطلني وأنت جواد

أنَّى تماطلني وأنت جَوَادُ

والشكر يُبْدأ تارةً ويُعادُ

إني إخالك تسْتَقِلُّ من الجَدا

ميسورَة فتكِيعُ حين تُكادُ

لا تحقِرنَّ من الصِّلات قليلةً

تكفي فجودك بالسَّداد سدادُ

لا سيما والعذر في تقليلها

أنَّ امتنانك مُبْدَأٌ ومُعادُ

تاللّه ما خسَّتْ خسيسةُ رافد

أفنت كرائمَ مالِه الأرفادُ

إن الذي يعطِي خسيسة ماله

إذ لا كريمةَ عنده لجَوادُ

لا تنس أن اللّه قد وَعَدَ الندى

أن لا تخون وليَّهُ الأمداد

من لم يزل والبرُّ أكبر همِّهِ

وصلت سواعدَ أمره أعضادُ

والحر من أضحى وقرَّةُ عينه

في المال ينقُص والعلا تزدادُ

ولقد رأى كلَّ الرياح معاشر

في الوفْر يُهْدَمُ والثناءُ يشادُ

والخلدُ أن تُلْفَى تجودُ وتعتلي

والموت أن تلْفى وأنت جمادُ

فمتى بذلتَ فللبقاء تَنَفُّسٌ

ومتى كنزت فللبقاءِ نفادُ

يبقى الفتى بعد الممات بفعله

أبداً ويَدْثُرُ يَذْبُلٌ ونَضَادُ

فاشْدُدْ بنيتك الجميلةِ قبضةً

فَلَيُنْجَزَنَّ وعيشِك الميعادُ

واعلم بأن اللّه في ملكوته

لم يخل منه لمحسن مرصادُ

من كان خاب فلم يَخِبْ متحقِّقٌ

بالعرف زرَّاعٌ له حصَّادُ

لو لم يكن في العرف إلا أنه

جُنْدٌ يقاتل عنك بل أجنادُ

خلَّفتُ أهلي في ذراك وإنه

للاجئين لمَلْجأ ومَصَادُ

أضحوا بمنزلة الضياع وإنما

أهلُ الفتى لرئيسه أولادُ

وقد اقتضوا أرزاقهم وتردَّدوا

حتى لَشقَّ عليهِمُ التردادُ

فتعذَّرتْ طلباتُهم وَتَنَهْنَهُوا

مثل الحوائم ذادها الذُّوَّادُ

فأهِبْ بشاردهم إليك وأرْوِهِمْ

من جَمَّةٍ يُروَى بها الورَّادُ

واحمل غُثاءهُم كحملك كَلَّهُمْ

فلذاك عدَّك وحدَك العُدّادُ

ولذاك قيل منوِّلٌ ومهنئٌ

نعماه حين يُنكِّدُ الأنكادُ

اللَّه في أهلي فإنك جارُهُمْ

لا تَضْرِبَنَّ عليهمُ الأسدادُ

إكفِ الضعافَ اللائي أنت ثمالُهُمْ

مُؤَنَ العناء فإنهنّ شِدادُ

لا تجشِمَنْ أهلي إليك وفادةً

لِيَفِدْ عليهمْ برُّك الوَفّادُ

واَنفِ السَّوادَ عن البياض فإنه

ما في بياض يد الكريم سوادُ

يُسْدِي السحابُ إلى البعيد يُغِيثُه

فَيطَلُّ منه وادعاً ويُجادُ

ولأنت أولى أن يجود لمجْدِبٍ

عفواً ولم تُشدَد له أقتادُ

ها قد أثَرْتُ عليك وحْشيَّ العلا

فاصطد فإنك للعلا صيّادُ

نبَّهْتُ للكَرمِ الغريب ولم يكُنْ

بك قبل تَنْبِيهيك عنه رُقادُ

بل أنت أوْلى أن تكون منبِّهي

بمذاهب لك كلُّهن رشادُ

فابدأ مكارِمَكَ التي عوَّدتها

وابدأ فإنك بادئٌ عوّادُ

عَلِّمْ غرائبك الرجالَ فطالما

عَلَّمْتَ كيف تُمجَّد الأمجادُ

لا يكبُرَنَّ عليك في جَنْبِ العُلا

ما قد سألتُك فالعلا أطْوادُ

ولقد أحمِّلُك الثقيلَ لأنني

خبِرٌ بأنك حامل معتادُ

ولكي ترى ثقتي بطَوْلك أو يرى

كيف احتمالك معشرٌ أوغادُ

ولتشهدن بأنني بك واثق

ولتشهدن بفضلك الأشهادُ

يا من يعادي الأصدقاءُ علاءه

أبداً ويَشْنأ مجدَه الوُدَّادُ

حسداً لمن يمسي ويصبح حاملاً

كَتداهُ ما لا تحمل الأكتادُ

ممَّنْ يَبُزُّ الناسَ منْفوسَ العلا

وعليه من منفوسها أبرادُ

صبٌّ بحب المكرمات مُتيَّمٌ

ما تيمته فَرْتَنى وسعادُ

يغدو صحيحاً ما غدا وعطاؤه

متيسِّرٌ وثناؤه منقادُ

فإذا اشتكى عللَ النوال نوالُه

أعداه ذاك فعاده العُوّادُ

وغدا مريض النفس وهو صحيحها

حتى يثوب الوَفْر والمرتادُ

وبدت عليه من الحياء غَضاضةٌ

أو يرجعَ المرتاد وهو مُفادُ

للّه طوْلك يا محمد إنه

لَيثور منه الشكْرُ والأحقادُ

تعطي الجزيل فتسترقُّ رقابنا

فتلين ثَمَّ وتغلُظُ الأكبادُ

لا تعدم الطَّوْل الذي انفردت به

كفاك وازدوجت له الأفرادُ

يا من تفرقت العلا في غيره

واستجمعت فيه العلا الأضدادُ

وإذا غدا حسَّاده وعُداته

ظُلِم العُداة وأنُصف الحسادُ

من ذا يعادي الغيث أم من ذا يُرَى

إلا من الحساد حين يُسادُ

يجد المذاهب مادحوك ولم يزل

لمُريغ مدحك مذهب ومَرَادُ

حتى إذا ما قال فيك كأنه

قُطعَتْ به الأشباهُ والأندادُ

لَؤُمَ الرجالُ فزهَّدوا ذا رغبة

وكرمت حتى استرغب الزهادُ

لو أصبح السادات مثلك سؤدداً

وَفت العِداتُ وأخلف الإيعادُ

خذها فإنك في الرجال وإنها

من صفو ما يتنقَّدُ النقادُ

ولئن غدوت كما دُعيتَ محمداً

إني لما أوليتَ لَلْحمَّادُ

ولئن قصدتك ما قصدتُك خابطاً

بالظن بل رادتك لي رُوِّادُ