تحلبت الأنواء بعد جمودها

تحلّبَتِ الأنواءُ بعد جُمُودِها

وأقبلتِ الخيراتُ بعد صدُودها

بوجه أبي الصقر الذي راح واغتدى

كشمس الضحى محفوفةً بسُعودها

ولما أتى بغداد بعد قُنُوطِها

وفتْرة داعيها وإيباس عُودِها

إذا ظُلَلٌ قدْ لَوّحتْ ببروقها

إلى ظُلَلٍ قد أرجفت برعودها

سحائبُ قيست بالبلاد فأُلْقِيَتْ

غطاءً على أغوارها ونجودها

حَدَتْها النُّعامَى مُثْقَلاتٍ فأقْبَلَتْ

تَهادَى رُويداً سيرُها كرُكودها

غُيُوثٌ رأى الإمحالُ فيها حِمَامَهُ

قرينَ حياةِ الأرضِ بعد هُمُودها

أظلَّتْ فقال الحرثُ والنَّسْل هذه

فُتُوح سماءٍ أقبلت في سُدودها

فأطفأ نيران الغليل مَواطرٌ

مُضرَّمةٌ نيرانها في وقودِها

سقتنا ونيرانُ الصدى كبرُوقه

فقد بردت أكبادُنا بِبُرُودها

ولمْ نُسْقَ إلا بالوزير ويُمْنِهِ

فَبُورك في أيامه وعهودِها

دعا اللّه لما اغْبَرَّت الأرض دعوة

بأمثالها تغدُو الرُّبى في بُرُودِها

فكم بركاتٍ أذعنت بنزولها

لدعوته إذْ أمْعَنَتْ في صُعودها

سما سَمْوَةً نحو السماء بغُرَّة

مُسَوَّمَةٍ قِدْماً بِسِيمَا سجُودها

وكَفَّيْن تَسْتَحِيي السماءُ إذا رأت

رُفُودَهُمَا من ضَنِّها برُفُودها

فلمَّا تلَقَّتْها الثَّلاثُ رعَتْ لها

مع الجاهِ عند اللّه حُرْمَةَ جُودها

فجادتْ سماءُ اللّه جُوداً غدتْ له

عَقِيمُ بِقاع الأرضِ مثلَ وَلُودِها

بِغَاشِيةٍ من رحمة اللّه لم تَرِثْ

نَسِيَّاتُهَا إلّا كَرَيْثِ نُقُودِها

سقتْنَا ومَرْعانا فروَّت وأفضَلَتْ

لِدِجْلَةَ فضلاً فاغتدت في مُدُودها

حيَاً جُعِلَتْ فيه الحياة فأصبحَتْ

بناتُ الثَّرى قد أنْشِرَتْ من لُحُودها

فمنْ مُبْلِغٌ عنَّا الأمير رسالة

فلا برحتْ نُعْمَاكَ داءَ حَسُودها

بَقِيتَ كما تبْقى معاليك إنها

تبيدُ الهضابُ الشمُّ قبل بُيُودها

رأيْنَاكَ ترعانا بعيْنٍ ذكيَّةٍ

أتَى النَّاسَ طُرّاً نَوْمُهُمْ من سُهُودِها

هي العينُ لم تُؤْثِرْ كَرَاها ولم يزلْ

تَهَجُّدُها أوْلى بها من هُجُودها

ونُعماك في هذا الوزير فإنَّنا

نعوذُ بنعمى ربِّنا من جُحُودها

وكيف جُحُود الناس نعماءَ مُنْعِمٍ

تَنَاغَى بها أطفَالُهُمْ في مُهُودها

لَعمري لقد قَلَّدْتَهُ الأمرَ كافياً

يَلَذُّ التي أعْيَتْ شفاءَ لدُودها

وزيرٌ إذا قاد الأمُورَ تتابَعَتْ

فأصْبَحَ آبِيها جنيبَ مَقُودِها

أخو ثِقةٍ لو حارب الأُسْدَ أذْعَنَتْ

أو الجنَّ ذلَّتْ بعد طولِ مُرُودها

مَليٌّ بأنْ يغشَى الغِمَارَ وأنْ يَرى

مصادِرَها بالرأْي قبْل وُرُودِها

وذو طاعة للّه في كل حالة

ومعصيةٍ للنفس عند عُنُودها

صَدُوعٌ بأحكام الكِتَابِ مُعَوِّدٌ

عَزَائمَهُ التوْقِيفَ عند حُدُودها

وَهَتْ قُبَّةُ الإسلام حتى اجْتَبيتَهُ

فقد أصْبَحَتْ مَعْمُودَةً بِعَمُودها

بآرائه أضحَتْ سيُوفكَ تُنْتَضى

فَتُغْمَدُ من هَامِ العدا في غُمُودِها

غَدا خَيْر ذِي عَوْنٍ لسيِّدِ أمَّةٍ

وَأَكْلأَ ذي عَيْنٍ لِسَرْحِ مَسُودِها

كفى كلَّ ما تَكْفي الكُفَاةُ مُلوكَها

بِنُجْحِ مساعِيها ويُمْنِ جُدُودها

فقد أخمد النِّيران بعد اسْتِعارِها

وقد أوقَدَ الأنْوارَ بعد خُمودها

ويكْفيه إن خانَ الشهادةَ خائنٌ

بما اسْتَشْهَدَتْ آثارُه من شُهُودها

أتانا ودُنيانا عجوزٌ فأصبَحَتْ

به ناهِداً في عُنْفُوانِ نُهودها

فقدْ قُيِّدَتْ عنَّا المخاوفُ كلُّها

وقد أُطْلِقَتْ آمالُنا مِنْ قُيودها

بذِي شِيَمٍ يُصبيكَ حُسنُ وُجُوهِهَا

ولِينُ مَثانِيها وجَدْلُ قُدُودها

حمانا وأرْعانا حِمَى كلِّ ثرْوَةٍ

وأبْدَلَنا بيضَ الليالي بسُودِها

فأَضْحى ولو تَسْطِيعُ كلُّ قبيلةٍ

وَقَتْ نَعْله مَسَّ الثَّرَى بخدُودها

تَأَلَّف وَحْشِيَّ القُلوب بلْطفِهِ

فأضْحَى مُعَادِيهَا لهُ كَوَدُودِها

وفَى وَعَفَا عن كلِّ صاحِبِ هفْوَةٍ

وكابَدَ ما دون العُلا من كُؤُودها

بنفْسٍ أبتْ إلا ثَباتَ عُقُودِها

لمنْ عَاقَدَتْهُ وانْحِلالَ حُقُودها

ألاَ تلْكُمُ النفْسُ التي تَمَّ فضْلُها

فما نَستَزِيدُ اللّه غيْرَ خُلُودها

وإن عُدَّتِ الأحْسَابُ يوماً فإنَّمَا

يُعَدُّ مِن الأحْساب رَمْلُ زَرُودِها

مَفاخِرُ عنْ آبائِهِ وبِنَفْسِه

نُفُودُ حصى الإحْصَاءِ قبل نُفُودها

تداركَ إسماعيلُ للعَربِ العُلاَ

فعادتْ لإسمَاعِيلِها ولِهُودِها

فتىً من بني شيْبانَ في مُشْمَخِرَّةٍ

شَدِيد على الرَّاقِي رُقيَّ صُعُودها

نَمَتْهُ من العَلْيا جبالُ صُقُورها

وحفّت جَنَابيْهِ غِيَاضُ أُسُودها

فتىً لعطاياه وفودٌ تَؤمُّها

فَإن قعدُوا كانت وفُودَ وُفُودها

إذا بَدْءُ ما أعْطَى أنَامَ عُفَاتَهُ

سرى عَوْدُهُ مُسْتَيْقِظاً لِرُقُودها

وَلَمَّا رَحَلْتُ العِيسَ نحو فِنَائه

ضَمِنْتُ عليه عِتْقَهَا من قُتُودِها

أمِنْتُ على نعمائه رَيْبَ دهرِه

وَلِمْ لا وذاك العُرْفُ بعضُ جُنُودِها