أما آن للسلوان أن يردع الصبا

أَما آنَ لِلسّلوانِ أَن يَردَعَ الصَّبّا

وَلا لِدنوّ الهَجرِ أن يُبعد الحبّا

لَقد أنكرَ الدّهر العَثور صَبابتي

وَقَد كانَ أَلقى مُهجَتي للهوى خربا

وَلَمّا وَقَفنا لِلوَداعِ اِنتَضَتْ لَنا

يَدُ البَينِ بَدراً مزّقت دونَهُ السُّحْبا

فَأَبصرتُ عرساً بَينَ بُردَيهِ مأْتمٌ

وَأَوليت بِرّاً عادَ عِندَ النّوى ذنبا

وَقُد كنتُ أَخشى وَثبَةَ الدّهرِ بَينَنا

وَنَحنُ مِنَ الإِشفاقِ نَستَوعرُ العَتْبا

فَكَيفَ وَقَد خاضَ الوشاةُ حَديثنا

وَأَضحَوْا لَنا مِن دونِ أَترابِنا صَحبا

سَقى اللَّه أَكنافَ اللّوى مُرْجَحِنَّةً

سَحاباً يَظلّ الهَضبُ مِن جودِهِ خَضْبا

وَأَطلقَ أَنفاسَ النّسيم بجوّهِ

فَكَم كَبِدٍ حَرّى تَهَشُّ إذا هبّا

فَعَهدي بهِ لا يهتدِي البين طُرْقَه

وَلا تَطرق الأحزانُ مِن أَهلهِ قلبا

حَمَتْهُ اللّيالي عَن مُطالَبةِ الرّدى

وَلَم أَدرِ أَنَّ الدّهرَ يَجعلهُ نَهبْا

وَمن ذا الّذي لا يَفتق الدّهر رَتْقَه

وَلا تُنزل الدنيا بِساحتهِ خَطبا

بِرَبِّك ما مَزجي المَطيّة هل رَعتْ

رِكابُك في سفح الحِمى ذلك الرّطْبا

وَهَل كَرِعتْ مِن ذلك الحيّ كرعةً

فَقَد طالما شرّدت عنّي به كَرْبا

وَهَل لَعِبت أَيدي السيول بِحَزْنه

وَهَل سَفَت الأَرواح مِن سهلهِ التُّربا

غَرامي بِأَهلِ الجِزْع منك بنجوةٍ

وَلَو جُزته أَعيا الرّكائب والرّكْبا

شَرِبتُ خَليطَ الودِّ منهم ومَحْضه

فَلَستُ أُبالي إِن سَقوا غيريَ الضَّرْبا

وَفيهِنَّ بيضاءُ العوارِضِ لم تلُثْ

خِماراً وَلَم تَعرف مَناكبُها العَصْبا

أَبَحتُ هَواها مِن سَرارةِ مُهجَتي

حِمىً لَو حَمَتْه همَّتي لم أكن صبّا

فَإِنْ تَكُنِ الأيّام أمْحَلْنَ وصْلَنا

فإنّ بقلبي من تذكّرها خِصْبا

عَذيرِيَ مِن مُستَعذبٍ صابَ بغْضَتي

وَقَد وَرَدت خيل الصّرى منهلا عَذْبا

تَحكّمَ منهُ الضِّغنُ لمّا رَعيتهُ

رِياضَ حلومٍ لَم يَكُن نَبتُها عُشبا

كَأَنّ اللّيالي كافِلاتٌ بعمرهِ

فَإِن قلتَ قَد شابَت ذَوائبُه شبّا

إِلى كَم أغضّ الطّرفَ منهُ عَلى القَذى

وَأَهنأُ مِن حلمِي قَلائصَه الجَربى

وَهَبْتُ لَه صَبري عَلى هَفَوَاتِهِ

وَلولا عَطائي ما تملّكها كسبا

وأُقسم أنِّي لو مَددت له يدي

لَطال على حَوْباءةٍ تَسكن الجَنبا

أَيا حاسِدي كَسب العُلا اِكتسب العُلا

فَإنّ المَعالي لَيسَ تَأخذها غصبا

رَكِبتُ لَهُ وَالخيلُ مِنكَ بَريئةٌ

وأخصبَ في رَبْعِي وكنتَ له جَدْبا

وَقَلّبتُ أطرافَ القَنا في طِرادهِ

وقلبُك في شُغلٍ بتقليبها القُلْبا

إِذا المَرءُ لَم تَستصحب الحَزمَ نفسُهُ

أَقامَت سَجاياهُ عَلى نَفسِه إلْبا

وَلَيسَ يَنالُ المَجد إِلّا اِبنُ هِمّةٍ

أَبَتْ أَن يَكونَ الصّعبُ في نَفسهِ صَعبا

وَكَم لائِمٍ في المَجدِ لا نُصحَ عِندَهُ

جَعلتُ جَوابي عَن مَلامَتِه تبّا

يَلوم عَلى أنّي أحِنّ إلى النّدى

وَلَيسَ لِمَن عابَ النّدى عندِيَ العُتبى

وَما المالُ إلّا ما سَبقت به ردىً

فَأَعطيته أَو ما شفيت به صبّا

وَعِندي لِمَنْ رامَ اِبتِلائِيَ همَّةٌ

تُرى بعْدَ طُرْقِ المَكْرُماتِ هو القربا

مُهذِّمَةٌ لا يخطب الهزلَ جِدُّها

ولا تملأُ الرّوعاتُ ساحتها رُعبا

لَها شَفرة لا يَكْهَمُ الدّهرُ غربها

وَلَن تَترك الأيامُ في شفرةٍ غَرْبا

وَلَيلٍ كَأنَّ البدرَ في جنَبَاتهِ

أَخو خَفَرٍ يُدْنِي إِلى وَجهِهِ سِبّا

خَرقتُ حَواشيهِ بِخَرقاءَ جَسْرةٍ

تَرى الصّدقَ في عَينيك ما وجدتْ كِذْبا

مُسهّدَةٌ لا يطعمُ النومَ جَفنُها

وَلا تَبلغ الغايات مِن صَبرها العُقبى

إِذا ما اِستَمرّتْ في الشّكيم تَلوكه

كَسا مِشفراها عارِيات الرُّبا عُطْبا

أَقول إِذا أَفنى الدُّؤوب تجلّدي

أَلا ربّ تصديعٍ ملكت به الشّعبا

وَلا بدَّ لي مِن نَهضةٍ في لُبانةٍ

أُميتُ القنا فيها وأُحْيي به النّحْبا

فَإِن أَبلغِ القُصوى فشيمةُ ماجدٍ

وَإِن تَنبُ أَسيافِي فَلَن أَدع الضّربا