هل الدار تدري ما أثارت من الوجد

هلِ الدَّار تدري ما أثارتْ من الوجدِ

عشيّة عنّتْ للنّواظرِ من بُعْدِ

بَكيتُ ولولا نظرةٌ بمحجّرٍ

إلى الدّار لم تجرِ الدّموعُ على خدِّي

أيا صاحِ لولا أنّ دمعِيَ لم يَطِحْ

وقد لاح رسمُ الحيِّ لم تدرِ ما عندي

كتمتُك وجدِي طولَ ما أنت صاحبي

فنادتْ دموعُ العين منّي على وجدِي

ولمّا أقرّ الدّمعُ بان لك الهوى

فلم يُغنِ إنكاري الغرامَ ولا جحدِي

تذكّرتُ نجداً بعد ما غُرتُ موهِناً

وَأَينَ اِمرُءٌ بالغَوْرِ من ساكنِي نجدِ

وَأَذكرني شبهَ القضيبِ ونحنُ في

ظُهورِ مَطايانا قضيبٌ من الرّندِ

وَمُعتجراتٍ بالجمال كأنّما

بَسَمْنَ إذا يَبسِمن عن لؤلؤِ العِقدِ

لهنّ صباحٌ من وجوهٍ منيرةٍ

تخلّلها ليلٌ من الفاحِمِ الجَعْدِ

غلبن على ودّي ولولا محاسنٌ

جلون علينا ما غلبن على ودّي

وشرخ شبابٍ كنت أحقر فضله

إلى أن مضى والضدُّ يُعرف بالضدِّ

أمنتُ به بين الغوانِي وظلُّهُ

عليَّ مقيمٌ من بعادٍ ومن صدِّ

وقد قلتُ لمّا ضقتُ ذَرعاً بخُطّةٍ

شَموسِ القَرَا أين الوزير أبو سعدِ

فَتىً كانَ درعِي يوم تَحصبنِي العدى

ويوم ضرابِي للطُّلى موضعَ الزّندِ

وَما جِئتُه وَالرشدُ عنّي بمعزِلٍ

فَأَطلعنِي إلّا عَلى ذرْوَةِ الرّشدِ

وَكَم لكَ فيما بَيننا مِن مَواقفٍ

تسلّمتَ فيها رِبْقَةَ الحمدِ والمجدِ

فَبالسّيفِ طَوراً تولج النَّاسَ للهدى

وطوراً بأسباب التكرّمِ والرّفدِ

وَأَنتَ حَميتَ المُلكَ مِن كلِّ طالِعٍ

عَليهِ كَما تُحمى العرينةُ بالأسدِ

عَلى كلّ مطواعٍ إذا سُمتَه رَدى

وإن لم تَسُمه جَرْيَه فهو لا يردِي

كأنَّك منهُ فوقَ غاربِ عاصفٍ

منَ الرّيح أَو في ظهرِ هَيقٍ من الرُّبْدِ

وَما لِسفاهٍ بلْ لفَرْطِ شجاعةٍ

نزعتَ جلابيبَ المضاعفةِ السَّرْدِ

كَأنّك مِن بَأسٍ لَبِستَ قميصَه

لدَى الرَّوعِ في حَشْدٍ وما أنتَ في حَشْدِ

وَما لَكَ في هَزْلٍ معاجٌ وإِنّما

أتيتَ كما يؤتَى الرّجال من الجدِّ

ولم يُبقِ حِلمٌ أنتَ مالكُ رِقِّهِ

بِقَلبكَ بعدَ الصَّفحِ شيئاً من الحِقدِ

فَيا نازِحاً عنِّي وما لِيَ بعدَه

على جَوْرِ أيّامٍ إذا جُرنَ من مُعدِ

أما آن للقربِ الّذي كان بيننا

فولّى حميداً أنْ يُدالَ من البُعدِ

ولم تكُ دارٌ أنتَ فيها بعيدةً

ولكنّنِي بالعذرِ في حَلَقِ القِدِّ

وَما أَنا إلّا سائرٌ كلَّ طُرقةٍ

إليك على عُرْيِ المطهّمَةِ الجُرْدِ

فكم وطنٍ بالوُدِّ مِنِّي سكنتُه

وإنْ لم أُجرّرْ في جوانِبِه بُرْدِي

بقلبِيَ كَلْمٌ من فراقك مؤلمٌ

وكم بالفتى كَلْمٌ وما حزّ بالجِلدِ

ودمعِي على ما فاتنِي منك قاطِرٌ

كأنِّيَ دون النَّاسِ فارقتنِي وَحدي

سقَى اللَّهُ أيّاماً مَضين وأنت بِي

حَفيٌّ قريبُ المُلتَقى سَبِلُ الرّعدِ

لهنَّ بقلبِي عَبْقَةٌ أرَجِيَّةٌ

تبرّحُ بالنّفْحاتِ من عنبرِ الهِندِ

وقد حال فينا كلُّ شيءٍ عهدتُه

فلم يبقَ محفوظاً عليك سوى عهدِي

ولولا هَناةٌ كنتُ أقربَ منزِلاً

وما كلُّ سرٍّ في جوانحنا نُبدِي

فإنْ تَنْأَ فالعيّوقُ ناءٍ وإنْ تَغِبْ

فقد غابَ عنّا بُرهةً كوكبُ السّعدِ

وَلا خيرَ في وادٍ وأنت بغيرهِ

وما العيشُ مطلولاً خلافك بالرّغدِ

وإنِّيَ مغمودٌ وإِنْ كنتُ باتِراً

ولا بُدّ يوماً أن أُجرَّدَ من غِمدِي

فَإِن كُنتَ يوماً لَستَ تَرضى ضريبةً

فإنّك ترضى بالضريبةِ عن حَدّي

لَحَى اللَّهُ أَبناءَ الزمانِ فإِنّهمْ

بِتَيْهاءَ لا تدنو ضَلالاً عن القَصدِ

وَلَم يُرَ إلّا الهَزْلُ يَنفُقُ عندهمْ

فمن يشتري منِّي إذا بعتُه جِدّي

وَمُختَلطاً فيه الذّوائبُ كالشَّوى

وحُرُّهُمُ مِن لبسةِ الذُلِّ كالعبدِ

وكم فيهمُ للجهلِ ميتٌ وربّما

يَموت اِمرُءٌ لم يطوِه القومُ في اللَّحْدِ

فيا ليتَ أدواءَ الزّمانِ الَّتي عَصتْ

وأعيتْ على كلِّ المداواةِ لا تُعدِي

وَلَيس وفاءٌ للجميل بموعدٍ

لَدَيَّ ويأتينِي القبيحُ بلا وَعْدِ

وكم لك عندي من حقوقٍ كثيرةٍ

أنَفْنَ على حصري وأعيا بِها عَدِّي

فإنْ فُتنَ حمدِي كثرةً وزيادةً

فللّهِ دَرُّ الفائتاتِ مدى حمدِي

وإنّي لمُهدٍ كلَّ يومٍ قصيدةً

إليك وما يُهدي الأنام كما أُهدِي

يَسيرُ بِها عنِّي الرُّواةُ وإنّها

لتَخدِي وما تخدِي الرُّواةُ كما تخدِي

من الكَلِمِ الباقي على الدّهرِ خالداً

وكم كَلِمٍ لم يُؤتَ شيئاً من الخُلدِ

هو الماءُ طوراً رِقّةً وسلاسةً

وطوراً إذا ما شئتَ كالحجرِ الصَّلْدِ

وَما قُدَّ إلّا مِن قلوبٍ أديمُهُ

فليس له فيهنَّ شيءٌ من الرّدِّ

فَخُذه رَسولاً نائباً عن زيارتي

فإنّ قصيدي فيك أنفعُ من قصدِي

وَدُم لِجَلالٍ لَستَ فيه مُشاركاً

وَبَذلِ النّدى في النّاسِ والحلِّ والعَقدِ