عرفت الديار كسحق البرود

عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ

كأن لم تكنْ لأنيسٍ ديارا

ذَكرتُ بِها نزواتِ الصّبا

بساحاتها والشّبابَ المُعارا

وَقَوماً يَشنّون لا يفتُرو

ن إمّا النُّضارَ وإمّا الغِوارا

أَبَوْا كلّما عُذلوا في الجمي

لِ إلّا اِنبِعاقاً وإلّا اِنفِجارا

أَمِنتُ على القلبِ خوّانةً

تطيع جهاراً وتَعصِي سِرارا

أُقادُ إليها على ضَنّها

ولولا الهوى لملكتُ الخيارا

وقالوا وقد بدَّلَتْ حادثاتُ

زمانِيَ ليلَ مشيبي نهارا

أتاه المشيبُ بذاك الوَقارِ

فقلت لهمْ ما أردتُ الوَقارا

فيا ليت دهراً أعار السّوا

دَ إذ كان يَرجِعه ما أعارا

وَلَيتَ بَياضاً أراد الرّحيلَ

عقيب الزّيارة ما كان زارا

وَمفترشٍ صَهَواتِ الجيادِ

إذا ما جرى لا يخاف العِثارا

تَراهُ قَويماً كصدر القنا

ةِ لا يَطعَمُ الغُمضَ إلّا غرارا

سرى في الظّلام إلى أن أعا

دَ مرآةَ تلك اللّيالي سِرَارا

فَلمّا ثناه جنابُ الأجل

لِ نَفّض عن مَنكِبيهِ الغُبارا

وشرَّد عنه زَماعَ الرّحيل

فألقى عصاه وأرخى الإزارا

مَزارٌ إذا أمّه الرائدونَ

أَبَوْا أن يؤمّوا سواه مزارا

وَمَغنىً إذا اِضطربتْ بالرّجالِ

رحالُ الرّكائب كان القرارا

فَللّهِ دَرُّك من آخذٍ

وقد وُتِرَ المجدُ للمجد ثارا

وَمن جبلٍ ما اِستجار المَروعُ

بهِ في البوائقِ إلّا أَجارا

فَتىً لا ينام على رِيبةٍ

ولا يأخذُ الغَمَّ إلّا اِقتِسارا

وَلا يصطفِي غيرَ سيّارةٍ

مِنَ الذّكرِ خاضَ إلَيها الغِمارا

وَقَد جَرّبوك خِلالَ الخطو

ب عيَّ بهنّ لبيبٌ فحارا

فَما كنتَ للرّمح إلّا السّنانَ

وَلا كنت للسّيف إلّا الغِرارا

وَإِنّك في الرّوع كالمَضْرَحِيِّ

أضاق على الطائرات المطارا

وَكَم لكَ دونَ مليك المُلوك

مقامٌ ركبتَ إليه الخِطارا

وَمُلتبسٍ كَاِلتِباسِ الظّلا

م أضرمتَ فيه من الرّأي نارا

وَكُنتَ اليَمينَ بِتلكَ الشُّغوب

وكان الأنام جميعاً يسارا

وَلَمّا تَبيّن عُقبى الأمورِ

وأسفَر دَيجورُها فَاِستَنارا

دَرى بَعدَ أَن زال ذاكَ المِرا

ءُ مَن بالصّواب عليه أَشارا

وَلَولا دِفاعُك عَمّن تراهُ

رَأَينا أَكفّ رجالٍ قصارا

وَلِي نَفثةٌ بينَ هَذا المديحِ

صبرتُ فلم أُعطَ عنها اِصطِبارا

أَأَدنو إِليك بمحض الوِداد

وتبعُدُ عنّي وداداً وَدارا

وَأُنسى فَلا ذكرَ لِي في المغيبِ

وَما زادَني ذاك إلّا اِدّكارا

وَإنّي لأخشى وَحوشيتَ من

هُ أنْ يحسب النّاسُ هذا اِزوِرارا

وَلَستُ بمتّهِمٍ للضميرِ

وَلَكنّني أَستزيد الجِهارا

وَلَو قَبل النّاسُ عُذر اِمرئٍ

لأوسعتُهم عَن سِواي اِعتِذارا

فَلَيسَ لَهمْ غير ما أبصروهُ

عِياناً وعدّوا سواهُ ضِمارا

وَكانَت جَوابات كتبي تجيئ

إليَّ سِراعاً بفخرٍ غِزارا

فَقَد صرنَ إمّا طوين السّنين

وإمّا وردن خفافا قصارا

وَكيفَ تَخيب صِغارُ الأمورِ

لَدَىْ مَن أَنال الأمورَ الكبارا

وَكمْ لِيَ فيك من السّائرا

تِ أنجد سارٍ بها ثمّ غارا

وَمن كَلِمٍ كنبال المصيبِ

وبيتٍ شَرودٍ إذا قيل سارا

يغنّي بهنّ الحداةُ الرِّكابَ

ويُسقى بهن الطَّروبُ العُقارا

وَأَنتَ الّذي لِمَليك المُلو

كِ صيَّرته راعياً لي فصارا

وَلَمّا بَنيتَ بِساحاتِهِ

أَطلتَ الذُّرا وَرَفعتَ المَنارا

فَلا زِلتَ يا فارجَ المشكلاتِ

تنالُ المرادَ وتُكفى الحذارا

وَهُنّئتَ بالمهْرَجانِ الّذي

يعود كما تبتغيه مِرارا

يَعودُ بِما شِئتَ شوقاً إليك

مراراً وإنْ لم تُعِره اِنتظارا

ولِمْ لا يتيهُ زمانٌ رآ

ك فضلاً لأيّامه وَاِفتِخارا