دعوا اليوم ما عودتم من تصبر

دعوا اليومَ ما عُوِّدتُمُ من تصبُّرٍ

فإنّ نزاعي غالبٌ لنزوعي

فما القلبُ منّي فارغاً من تذكّرٍ

ولا العينُ منّي غيرَ ذات دموعِ

ولو كنتُ مسطيعاً جعلتُ صبابةً

مكان دموعي في البكاءِ نجيعي

ففيما تركتُ لا يُخاف تردُّدي

وفيما وهبتُ لا يُخاف رجوعي

وكيف بقائي لا أموت وإنّما

ربوعُ الأنامِ الهالكين ربوعي

وما أنَا إلّا منهُمُ وعليهِمُ

إِذا ما اِنقضى عمري يكون طلوعي

أَلَمْ ترَ هذا الدّهرَ كيف أَظَلّنا

على غفلةٍ منّا بكلِّ فظيعِ

وكيفَ اِنتقى عَظمِي وشرّد صَرْفُهُ

رُقادي وأودى عَنْوَةً بهجوعي

وجرّ على شوك القَتادِ أخامِصِي

وأضرم ناراً في يبيسِ ضلوعي

وأكرعنِي حزناً طويلاً ولم أكنْ

لغيرِ الّذي أختاره بكَروعِ

رمانِي بخطبٍ لا يكفكفُ وَقعهُ

سوابقُ أفراسِي ونسجُ دروعي

وما عاصِمي منه حُسامي وذابِلِي

ولا ناصري رَهْطِي به وجميعي

أتانِي ضُحىً لا دَرَّ دَرُّ مجيئه

فعاد وما هاب النّهارَ هزيعي

وضاعَفَ من شَجْوِي ورادف حزنَهُ

خضوعي عليه راغماً وخشوعي

وصيّر في وادي المصائبِ مسكني

وفي جانب الحزنِ الطّويل ربوعي

وقالوا بركن الدين ولّتْ يدُ الرَّدى

فخرّ صريعاً وهو خيرُ صريعِ

فشبّوا لهيبَ النّارِ بين جوانحي

وجثّوا أُصولي بالجَوى وفروعي

ومرّوا وقد أبقوا بقلبِيَ حَسْرةً

وذرّوا طويلَ اليَأس منه بروعي

فلو كنتُ أسطيع الفداءَ فديتُهُ

وأعيا بداء الموت كلُّ جميعي

وشاطرتُهُ عمري الّذي كان طالعاً

عليه بما أهواه خيرَ طلوعِ

وَقالوا اِصطَبر والصّبرُ كالصّبر طعمُهُ

إذا كان عن خَرْقٍ بغير رَقوعِ

وَعَن رَجلٍ لا كالرّجالِ فضيلةً

وعن جبلٍ عالِي البناءِ رفيعِ

وعزّاك مَن سقّاك كلَّ مرارةٍ

وحيّاك مَن لقَّاك كلَّ وجيعِ

ولو كنتُ أرجو عودَه لاِحتسبتُه

ولكنّه ماضٍ بغير رجوعِ

كأنِّيَ ملسوعٌ وقد قيل لِي مضى

وما كنتُ من ذي شوكةٍ بلَسيعِ

فأيُّ اِنتِفاعٍ بالرّبيع وإنّه

زَماني وقد ولّى الرّدى بربيعي

وَبِالعيشِ مِن بعد اِمرئٍ كان طيبه

ويُبدلُ منه ضيّقاً بوسيعِ

وبالمال من بعد الّذي كان مُخْلِفاً

لِكلِّ الّذي أفْنَته كفُّ مُضِيعِ

وبالعِرْضِ من دون الّذي كان رمحُهُ

يقارع عنه الدَّهرَ كلَّ قريعِ

ذَمَمْتُ سواك المالكين لأنّهمْ

تولَّوْا وما أوْلَوْا جميلَ صنيعِ

ولم تكُ منهمْ مِنَّةٌ بعد مِنَّةٍ

ولا نزعوا أثوابهمْ لنزيعِ

فكم بين مُعطٍ للأمانِي وسالبٍ

وبين مُجيعٍ لِي وقاتلِ جوعي

ولمّا رأيتُ الفضلَ فيه أطعتُه

وما زلتُ للأملاكِ غيرَ مطيعِ

ألمْ تَرَنِي لمّا بلغتُ فناءَه

عقرتُ بعيري أو قطعتُ نسُوعي

وقد علم الأقوامُ أنَّك فيهم الن

نفوعُ إذا لم يعثُروا بنفوعِ

وأنّك تُؤوي الخائفين من الورى

ذُرا كلِّ مَرهوب الشَّذاةِ رفيعِ

وأنّك لمّا صرّح الخوفُ في الوغى

بيومٍ صقيل الغُرّتين لَموعِ

وللخيلِ من نسج الغبارِ براقعٌ

وأجلالُها من صوبِ كلِّ نجيعِ

ولو لمْ تبضّعْ بالطّعانِ لحومُها

لآبَتْ وما سالتْ لنا ببضوعِ

أخذتَ لواءَ النّصرِ حتّى ركزتَه

بيُمناك من أرضِ اليقينِ بِقيعِ

ولم تهبِ البيضَ الصّوارمَ والقَنا

يَرِدْن إذا أُورِدْنَ ماءَ ضلوعِ

ولمّا ذكرتُ الموتَ يوماً وهَوْلَهُ

تقاصرَ خَطْوِي واِقشعرّ جميعي

وما أَنَا إلّا في اِنتظارٍ لزائرٍ

قَدومٍ على رغم الأُلوفِ طَلوعِ

يمزّق أَثوابَ الّذي كنتُ أكتسِي

وينزعها بالرّغمِ أيَّ نزوعِ

ويهدم ما شيّدتُهُ وبنيتُهُ

ويَحصُدُ من هذي الحياةِ زُروعي