ما للخيال ببطن مر يطرق

ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ

أنّى وليس له هنالك مَطْرَقُ

زار الهجودَ وَلم يَنَلْهُ ولا اِهتدى

منّا إليه مُسهَّدٌ ومؤرَّقُ

لو كان حقّاً زار في وَضَحِ الضُّحى

فالزَّوْرُ وَهْناً كاذبٌ لا يصدقُ

زرتَ الّذين توهّموها زَوْرَةً

ومضيتَ لمّا خفتَ أن يتحققوا

وقرُبتَ قرباً عاد وهو تبعُّدٌ

ووصلتَ وصلاً آب وهو تفرُّقُ

وَخَدعتَ إلّا أنَّ كلَّ خديعةٍ

رَوَّتْ صدى كَلِفٍ يُحبّ ويعشِقُ

ما كان عندي والرّقادُ مجانبٌ

لجفونِ عيني أنّ طَيْفَكَ يطرُقُ

كَيفَ اِهتَدى والبعدُ منّا واسعٌ

لرحالنا هذا العَناقُ الضيّقُ

أم كيف طاف مُسَلَّمٌ بمكلَّمٍ

أم كيف عاج على الأسير المطلقُ

ومُجَدَّلٍ بيد الكَلالِ كأنّه

في الرِّيِّ يُصبح بالمُدامِ ويَغبُقُ

أمسى موسّده وقد سكن الكرى

في مُقلتيه ساعدٌ أو مِرْفَقُ

وإذا ترفّعت الحدوجُ فقل لما

واراه عنّا الوَشْيُ والإستبرقُ

حتّى متى عطشانُكمْ لا يرتوي

من مائكمْ ومريضُكمْ لا يُفرقُ

لم تعرفوا شوقاً فلم تأووا لمن

يُضحِي ويُمسِي نحوكم يتشوّقُ

أقسمتُ بالبيتِ العتيق تزورهُ

بالشّاحطين من الرّجال الأينُقُ

لمّا أتوه خائفين تشبّثوا

بستاره ليجُيرهم وتعلّقوا

والقومُ في وادي مِنىً فمجرّدٌ

أو لابسٌ ومُلَبِّدٌ ومُحَلِّقُ

والبُدنُ يُهرَق ثَمَّ من أوداجها

ما لم يكن لولا العبادةُ يُهرَقُ

والموقِفَين ومن تراه فيهما

يرنو إلى عفو الإله ويرمُقُ

لبسوا الهجير محرّقين جلودهمْ

من خوف نارٍ في الجحيم تُحرِّقُ

إنّ الّذين أعدّهمْ من عنصري

وبهمْ إذا فاخرتُ يوماً أعلقُ

شَجعوا فمِنْسَرُهمْ يروّع جَحْفَلاً

ووحيدُهمْ يومَ الكريهةِ فَيْلَقُ

ولهمْ إذا جمدتْ أكفٌّ في ندىً

أو في وغىً أيد هناك تَدَفَّقُ

قلْ للّذين تطامحوا أنْ يفخروا

بمفاخرٍ ببنائهمْ لا تَعْلِقُ

غُضّوا اللِّحاظَ فقد عَلَتْ تَلْعاتِكمْ

في مفخرٍ منّا الجبالُ الشُّهَّقُ

وإذا تسابقت الجيادُ إلى مدىً

أو غايةٍ أخذ الرّهانَ السُّبِّقُ

ولنا وليس لكم سوى الثَّمْدِ الّذي

لم يروِ ظمآناً بُحورٌ فُهَّقُ

كم ذا نكصتمْ عن طلابِ فضيلةٍ

أنا من جوانبها أخُبُّ وأَعنِقُ

وفررتُمُ ووقفتُ في ملمومةٍ

فيها القنا بيد الطّعانِ تُدَقَّقُ

وخرستُمُ ونطقتُ في النّادي الّذي

يُعطَى المقادَةَ فيه مَن هو أنطقُ

ورُزقتُ لمّا أن سعيتُ إلى العُلا

فاِسعوا كما أنّي سعيتُ لتُرزقوا

وفريتُ لمّا أنْ خلقتُ فما لكمْ

والفَريُ ناءٍ عنكُمُ أن تخلقوا

والنّاسُ في الدنيا إذا جرّبتَهمْ

إِمّا هباءٌ أو سرابٌ يبرقُ

إمّا صديقٌ كالعدوِّ تقاعداً

عن نصرتي أو فالعدوّ المُحْنَقُ

لا مَخبَرٌ يُرضِي القلوبَ ولا لهمْ

مرأَى به ترضى النّواظرُ يُونِقُ

في كلِّ يومٍ لِي ديارُ أخوَّةٍ

تخلو وشملُ مودّةٍ يتفرّقُ

والقلبُ منّي بالكروبِ مُقَلْقَلٌ

والجلدُ منّي بالنّيوبِ مُمَزَّقُ

وعَرِيتُ من ورق الإخاءِ وطالما

كانت غصوني بالأخوّةِ تورقُ

فاليوم ما لِي من خليلٍ أرتَضي

منه الإِخاءَ ولا صديقٌ يصدقُ

أعطاهُمُ زمنٌ مضى فتجمّعوا

واِبتزّهمْ زمنٌ أتى فتفرّقوا

فلقد قطعتُ العمرَ في قومٍ لهمْ

في كلّ مكرُمةٍ جبينٌ مشرقُ

وعليهمُ من كلّ ما زان الفتى

في العين أو في القلب منّا رَوْنَقُ

ما فيهمُ إلّا مُحَلّىً بالعُلا

ومَسَوَّرٌ ومتوّجٌ ومطوَّقُ

وتراهُمُ سامين في طرقِ العُلا

فإذا رأوْ سُبْلَ العضيهة أطرقوا

فالآن والسّبعون تعطِفُ صَعْدَتِي

وتُرِثُّ مِنّي ما تشاءُ وتُخلِقُ

وتألّقتْ لِي لِمَّةٌ كان الهوى

كلّ الهوى إنْ لم تكنْ تتألّقُ

واِسودّ منّي كلُّ ما هو أبيضٌ

بالرّغمِ لمّا اِبيضّ منّي المَفْرقُ

طوّحتُ بين معاشرٍ ما فيهمُ

خُلُقٌ ولا خَلْقٌ يُحَبُّ ويومَقُ

من دونهمْ أبداً لكلّ فضيلةٍ

سَترٌ وبابٌ للكريمةِ مغلقُ

فالظّنّ فيهمْ للجميل مكذِّبٌ

والظّنّ فيهمْ للقبيح مصدّقُ

فَإِلامَ يرمينِي بسهمٍ صائبٍ

مَن ليس لِي منهم إليه مفوِّقُ

فَعلى الّذين مَضوا وعينِي بعدهمْ

تجري وقَلبي نحوهم يتشوّقُ

منّي التحيّةُ غدوةً وعشيّةً

ووكيفُ منخرقِ العَزالِي مُغْدقُ

وعلى مساكنهمْ وإنْ سكنوا الثّرى ال

أَرَجُ الذكيُّ أو النّسيمُ الأعبقُ