أأغفل والدهر لا يغفل

أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ

وأنسى الّذي شأنُه أعضلُ

ويطمعني أنّني سالمٌ

وداءُ السّلامة لِي أقتَلُ

ويمضي نهاري وإظلامُهُ

بما غيرُه الأحسنُ الأجملُ

وآمُلُ أنّي أفوتُ الحِمامَ

أمانٍ لعَمْرُك لِي ضُلَّلُ

وكيف يرى آخِرٌ أنّه

مُبَقّىً وقد هلك الأوّلُ

ولمّا بدا شَمَطُ العارضين

لمن كان من قبله يَعذُلُ

تناهَوْا وقالوا لسانُ المشيب

له من جوارحنا أعذَلُ

فقلتُ لهمْ إنّما يعذُلُ ال

مَشيبَ على الغيِّ مَن يُقبِلُ

فحتّى متى أَنَا لا أرعوِي

ولِمْ لا أقولُ ولا أفعلُ

وكم أنَا ظمآنُ طولَ الحياةِ

وفي كفِّيَ الباردُ السّلْسَلُ

أمانٍ ولا عملٌ بينهنَّ

كجوٍّ يَغيمُ ولا يَهطِلُ

وَما الناسُ إلّا كبهمِ المضي

عِ يُحْزِنُ في الأرضِ أو يُسهِلُ

فمن عاملٍ ما له خِبرةٌ

وآخرَ يدري ولا يعملُ

فيا ليتَ مَن علم الموبِقاتِ

وقارفَها رجلٌ يجهلُ

أمِن بعد أنْ مضت الأربعون

سراعاً كسربِ القطا يَجفلُ

ولم يبق فيك لشرخ الشّبابِ

مآبٌ يرجّى ولا مَوْئِلُ

تَطامحُ نحو طويلِ الحياةِ

ويوشِك أنْ ما مضى أطولُ

ألا إنّما الدّارُ دار البلاءِ

ففي شهدها أبداً حَنْظَلُ

يعافى من الدّاءِ مَن يُبتَلى

وينجو من الموتِ مَن يُقتَلُ

وسُقمٌ أقام جميعَ الأُساةِ

على أنّه سَقَمٌ يقتلُ

أيا ذاهلاً ونداءُ الحتو

فِ في النّاسِ يوقظ مَن يذهَلُ

طريقٌ طويلٌ وأنتَ اِمرؤٌ

لعلّك في زادِهِ مُرْمِلُ

أليس وراءَك مُزْوَرَّةٌ

عليها الصَّفائحُ والجَندلُ

بها الصّبحُ ليلٌ وليلُ البِلا

دِ ليلٌ بساحتها ألْيَلُ

إذا ما أناخ الفتى عندها

مقيماً فيا بعدَ ما يَرحَلُ

وإنْ جاءها فوق أيدي الرّجال

فبالرّغم من أنفِهِ ينزلُ

على أنّه ليس عنها له

وإنْ حاصَ مَنْجىً ولا مَرْحَلُ

مَنازلُ ليس لحيٍّ بها

معاجٌ ولا وسْطَها منزلُ

خَلَتْ غيرَ ذئبٍ تراه بها

يُعاسِلُ أو صُرَدٍ يَحْجِلُ

وإلّا ترنُّمُ حنّانَةٍ

تئطُّ كما زَفَرَ المِرْجَلُ

تَريمُ وتقفُل مجتازةً

بمن لا يَريمُ ولا يَقفُلُ

ألا أين أهلُ النّعيمِ الغزيرِ

وأين الأجادل والبُزَّلُ

وأين الغطارفُ من حِمْيَرٍ

وما مُلِّكوه وما خوّلوا

وَأَين الّذين إِذا ما اِنتَجَوْا

أَزَمَّ بنجواهمُ المحفلُ

وأَطْرَقَ كلُّ طويلِ اللّسانِ

صَموتاً يُجيبُ ولا يَسألُ

إِذا ما مشوا يسحبون البُرودَ

فلِلرَّشفِ ما مَشَتِ الأرجلُ

وقومٌ إذا ما سَرَوْا زعزعوا

قَرَا الأرضِ بالخيلِ أو زلزلوا

تقام ممالكُهمْ بالقنا

ويَجبِي خراجَهمُ المُنْصلُ

وكم قلّبوا في العبادِ العيونَ

فلم يُبصروا غيرَ ما أفضَلوا

وتلقاهمُ عند خوفِ البلادِ

وبين بيوتهمُ المَعْقِلُ

مضوا مثلما مضت السّاريا

تُ أثنى بها الوطنُ المُبقلُ

وأزعجهمْ من قِلالِ القصور

فلم يلبثوا المُزعجُ المُعجِلُ