لست ضيفا على أحد

تأتي القهوة مسبوقة بعطرها

وتأتي الأراكيلُ

يأتي نحاسُ الطواجن مكلّلاً بالبهار

وباللؤلؤ (البسمتي) من الأرّز

ويأتي تختُ الموسيقى بصناجاته

بالتوابل نفّاذة مثل عطر الغابات

تأتي التآويل والبهاليل

ومنعطفات لا تحصى

في شارع (كودم) الزاخر بمقاعده وخضرته

بمنافذه الكثيرة نحو مسارب الضوء

بمداخل ترصد الظلال الكثيفة في حواف الرصيف اللانهائي

يستيقظ (كودم) قبل منتصف النهار

فيحرّك أعضاءه مغتّراً مثل سفينة عظيمة متعددة الصواري

بأضوائه الثلاثة ذات السطوة

حيث فيزياء المكان

أضواء تصدّ العربات من هنا

وتطلق نهر الناس من هناك.

سفينة تؤرجح صواريها

وتهتف: ها رشاقة الناس بين الرصيف والمقهى ومنحنيات الريح

صوارٍ قصيرةٌ واثقة مستغرقة تحرس غفلة الكائنات

صوارٍ من المعدن القديم

تتّكئ على أرصفة تظلّلها شواهق الأشجار

تمنح الحركة على الكائنات بالقسطاط.

أحصيها صاريةَ صارية

واهتف:

صباحُ الخير للمدينة وهي تنهض من نومها

صباحُ الخير لكائناتها في شارع (كودم).

لستُ ضيفاً على أحد

فكلما رشفتُ قهوة نقصتْ صارية

ولمع لونٌ جديدٌ في تاج الشارع المغرور

مستعيداً مجداً يكاد أن يذهب.

لستُ ضيفاً على أحد

الأشياء تأتي مأمورةً

أجلسُ في عطر المقهى

وأطلق كلماتي في دفتر الشارع

لأرقبَ رشاقة الكائنات وخفّتها

تعبر ذاهبةً إلى بهو الوقت

أقداح البيرة الضخمة وهي تفرز عضلات الزند

الأقداح الطويلة المبعوجة ذات الخصر

لكي ينثال الذهب خارج السيطرة

فناجين القهوة بتاج الرغوة الهشّة اللاسعة

الطيور المذعورة لفرط أبواق مشجعي الكُرَة الطغاة.

أتّكئ على سلّة ريح عابرة مُكتظّة بوريقات صفراء

فلستُ ضيفاً على أحد

برلين غير مكترثة بي

لكي أنالَ الحريّة كاملة

ففي حانات الشارع المُكابر

لم أطلبْ ضوءاً مُضاعفاً للكتابة

العتمة تكفي

وتكفي نافذةٌ بشرائط البوص الرهيفة

نافذةٌ تظلّ مواربة لئلا تصدّ نسمة متعبة.

لستُ ضيفاً على أحد

هنا،

لا أحد يمنع وحشة البيت

بيتٌ هاربٌ من منخفضات الريح

لاجئاً إلى أرجوحة الأعالي

بيتٌ يختار عزلة الطابق الرابع

مرصوداً بدرجٍ باهتٍ تزخرفه مساقطُ ضوءٍ شحيحٍ

في حضن عتمة مُترفة

لستُ ضيفاً لكي أصعدَ على مضضٍ

إلى بيتٍ يخافُ من وحشته

لستُ ضيفاً لكي أنامَ وحدي

في غرفةٍ تئنُّ أرضُها مصقولة تحت عربات أحلامي

فليست الشرفة غير وريقات صفراء تهطل في شارع (كودم)

وعطايا النوم رحلة مشتهاة تكاد أن تغفو.