المساتير

بعد ذاكَ الحُبِّ العظيم تَنَكَّرْتِ. وقد كنْتِ تُقْسِمينَ بِحُبِّي!

وبِرَغْمِ السُّقوطِ لِلدَّرَكِ الأسْفَلِ ما زِلْتِ تَعْصِفينَ بِلُبِّي!

إنَّ رُوحي تَرِفُّ بالحُبِّ ما عِشْتُ

ويَصْبُو إليْهِ فِكْرِي وقَلْبي!

فَلَوِ اسْتَلَّ عَضْبَه ما تَشَكَّيْتُ. فَحَسْبِي منه الكرامةُ. حَسْبي!

قد يَشُوقُ النَّفْسَ التَّأَبِّي على

الحُسْنِ فَتَهْفو. وقد يَسُوءُ التَّأَبِّي!

ولقد شاقَني التَّأَبِّي على الحُسْنِ ومِنِّي عَليْهِ حتى يُلَبِّي!

إنّني العاشِقُ الأَنُوفُ فَجَدْبي

إن طَغَى الحُسْنُ واجْتَوى. مِثْلُ خَصبي!

فَكِلا حالَتَيَّ أَدْعى إلى الرُّشْدِ

وأَحْرى بِأنْ أُمَجِّدَ دَرْبي!

رُبَّ خُسْرٍ يَطِيبُ لِلْحُرِّ حتى

لَيراهُ أجَلَّ مِن كل كَسْبِ!

* * *

أَتَرَيْني يا رَبَّةَ الدَّلِّ أَسْتَخْذِي

وأَخْتارُ راغِماً خِزْيَ ذَنْبي؟!

فَجَحِيمُ الهوَى يخيف فَيطْوِى

مِن إِبائي.. فأسْتَحِيلُ لِذئْبِ!

والِغاً في الدَّمِ الحَرامِ. ولو ذاقَ جِراحاً تَسِيلُ مِن حَدِّ عَضْبِ!

ما يُبالي بِطَرْدِهِ عن ضَحَاياهُ ولا بالحياةِ من قَعْرِ جُبِّ!

لسْتُ ذاكَ الذِّئْبَ النَّهِيمَ. فما

أَذْبَحُ طُهْراً. ولا أَدِلُّ بِغَصْبِ!

أنا مَن تَعْرِفين يا رَبَّةَ الدَّلِّ

أَرى في المَضِيق سرَّاء رَحْبي..!

ناعِماً بالصُّدودِ.. أَرْتَشِفُ العَذْبَ

وأَطْوِي على بَلائي وكَرْبي..!

وحَوالَيَّ مِن ملائِكَةِ الطُّهْرِ نُجُومٌ يَسْبِينَ مِن كُلِّ صَوْبِ!

يَتَسامَيْنَ عن شُذوذٍ.. فما اللَّوْمُ لَدَيْهِنَّ غَيْرَ لُطْفٍ وعَتْبِ!

يَتَحَشَّمْنَ والعَفافُ مُطِلٌّ

من طُيُوفٍ يُجِلُّها كلُّ صَبِّ!

إنَّ هذي الطُّيُوفَ كانَتْ عزاءً

وشِفاءً مِما يُضِلُّ ويُصْبي!

ما دَهَتْني –كَمَنْ أَضَلَّتْ بِخَطْبٍ

يَلْتَوِي فيه كُلُّ شَرْقٍ وغَرْبِ!

فأَنَا اليَوْمَ من سلامٍ مع الرُّوحِ

حَنُونٍ مِن بَعْدِ وَيْلاتِ حَرْبِ!

ليس يُشْجِي الفُؤادَ غَيْرُ يَراعٍ

مُسْتَعِزٍّ. وغَيْرُ أَشْتاتِ كُتْبِ!

* * *

أَتُرى تِلْكَ مَن زَهَتْ بالمنَاكِيدِ

وباهَتْ بِكُلِّ غَثٍّ وخَبِّ؟!

واستَفَزَّتْ هوى الأَشاوِسِ

مِن كُلِّ كَرِيمِ النِّجارِ. مِن كلِّ نَدْبِ؟!

فَأَدَارُوا لها الظُّهُورَ.. وغابوا

عن حِماها. ولَيْس سِرْبٌ كَسِرْبِ!

أَفعادَ الحِمى المُنيرُ ظلاماً

بعد أَنْ غادَرَتْهُ شُهُبٌ وشُهْبُ؟!

أَم تُراها. تَضِجُّ بالشَّكْوِ مِمَّا

بدَّدَتْ مِن سحائِبٍ ذات سكْبِ؟!

كيف تَشْكو الصَّدى وقد نَضُبَ النَّبْعُ.. وعادَ البَعيدُ مِن بعدِ قُرْبِ؟!

وهي مَن أَنْضَبَتْهُ.. مَن آثرَ الدُّونَ فكانُوا لِحُسْنها شَرَّ صَحْبِ!

* * *

يا فتاتي بِعْتِ الغَضَنْفَرَ بالبَخْسِ ومِن بَعْدِهِ زَهَوْتِ بِكَلْبِ!

* * *

إنَّ هذى الحياةَ تُذْهِلُ أحْياناً

بِسَهْلٍ مُمَنَّعِ.. وبِصَعْبِ!

قَزَماً تائِهاً.. قَمِيئاً مُدِلاًّ

يَزْدَهِي اثْناهُماَ بِكِبْرٍ وعُجْبِ!

وعماليقَ سائِرينَ الهُوَيْنى

من اجْتِبابٍ عن الأَنامِ.. كجُرْبِ!

حِكْمةٌ مِنْكَ لهذه ما يَرى الخَلْقُ هُداها الذي تَوارى بِحُجْبِ!

ولَنَحْنُ العُمْيُ الحَيارى وما نُدْرِك

إلاَّ القَلِيلَ.. يَهْدِي ويُنْبي..!

إن عدلاً خلف المساتير يرضى

بوجوب لو استبان. وسلب!

لو رَأَى الخَلْقُ ما وَراءَ الأَعاجِيبِ

لَقالُوا.. تَباركَ الله رَبِّي..!