الأرض أجمل في الأغاني

لا بُدَّ من عَمَلٍ جمَالِيٍّ لوجهِ الأرضِ ..

قد كثرتْ تجاعيدُ المكانِ

وهذِهِ الجغرافيا الشمطاءُ لا تحنو على الغرباءِ ..

نحن ضيوفُها الآتونَ من أصلابِ محنتِنا

نهاجر في المدَى كالوقتِ مصلوباً على بَنْدُولِ ساعتِهِ

ونسقطُ كالدقائقِ والثواني…

لا بُدَّ من عَمَلٍ جمَالِيٍّ يُخَفِّفُ ما نُعاني !

لا شيءَ يبدأُ من عَلٍ

هذا الترابُ هو البدايةُ ..

لا حقيقةَ دون (سُمٍّ)

ما يزالُ (السُّمُّ) شيخَ المرشدينَ إلى الحقيقةِ ..

والنبوءةُ لم تكنْ جَرَساً مُدَلى

من أعالي الغيبِ فوق الأرضِ ..

كانت حكمةً سُفْلِيَّةً

تدعو الحياةَ لأنْ تُنَقِّحَ نفسَها من كلِّ حَشْوٍ بربريٍّ

كي تعودَ الأرضُ ناصعةَ البيانِ !

ها نحن في الصحراءِ ثانيةً

وها سكِّينُ غربتِنا مسلَّطةٌ على عنقِ الدروبِ ..

ولم نَزَلْ نمشي وتزفرُنا المسافةُ

مثل أنفاسٍ مقطَّعةٍ بأحشاءِ المكانِ

نحن الأواني المرمريَّةُ كاتماتُ الهمِّ

لا نحتاجُ غير زفيرِ أغنيةٍ لتنفجرَ الأواني!

لسنا نفتِّشُ عن لذائذَ في اللذائذِ

إنَّما أن نتَّقي أَلمَ الغريزةِ وَهْيَ تعلكُ مُضغةَ الأرواحِ ..

يا لَلمُضغةِ اكتَهَلَتْ

وشاخ الماءُ من قبل الأوانِ !!

جئنا إلى الدنيا خفافاً مثل نَوبات الجنونِ

فلم نجدْ في العقلِ عنواناً يقود إلى الخلودِ ..

وهكذا انفَرَطَتْ بنا الأقدارُ أحصنةً تلاقَتْ في رهانِ !

وامتدَّ ملعبُنا..

وليسَ لفارسٍ منَّا خَيارٌ في حصانِ !

ها نحنُ نبحث في مهبِّ الوقتِ عن غدِنا الشريدِ

ونغبطُ الأعنابَ

إذْ تهفو إلى غدِها المُوَطَّنِ في القناني!

لا أرضَ أقدس في عقيدتِنا من الذكرَى

كأنَّ ملاعبَ الماضي معابدُنا الجديدةُ

35

والشِّجار هناك أقدس ما رَفَعْناَ من (أَذانِ!)

ها نحن نكملُ رحلةَ الأرواحِ في التيهِ الملوَّنِ ..

ها هنا

حيث (الفضائيَّاتُ) ذاتُ الفتنةِ الشقراءِ

قد فَلَّتْ جدائلَها على كتفِ (الحداثةِ)..

والثُّنائيَّاتُ تعصرُ بين فكَّيْها الخليقةَ ..

والنهائيُّون جنَّازاً فجنَّازاً

أعدُّوا موكبَ التشييعِ للتاريخِ ..

ماذا سوف نصنعُ بالقصيدة وسطَ هذا التيهِ ..

إنَّ الشعرَ أقصرُ قامةً من مصعدٍ

راحَتْ تُحَالِفُهُ العِمارةُ في مناطحةِ السحابِ

فلا قصائدَ كالمصاعدِ

كي نحلِّقَ −في السباقِ إلى السماءِ −

على(الدلالةِ) و(المعاني) !

في عصرِنا هذا−

المقفَّى بالحديدِ الصُّلبِ

والموزونِ بالأسمنتِ ..

لا لغةٌ تترجمُ حالةَ الدنيا سوى لغة المباني !

بالأمسِ حالَفْنا (الوصايا العشرَ )

نحرسُها وتحرسُنا..

وحين اختلَّتِ الكلماتُ

أحرقْنا الجواهرَ في الشعائرِ

واحترقنا بالحقيقةِ في الطقوسِ

وما عَرَفناَ بعدُ أيَّ ضحيَّةٍ تكفي لإشباعِ النذورِ ..

فكلُّنا كنَّا ضحايا الغيبِ

حيث الغيبُ طاغيةٌ أناني!

لم نمتلئْ بالشكِّ ما يكفي

لنحتضنَ الحقائقَ كالغواني!

كلٌّ لديهِ سماؤُهُ في الناسِ

هذا − فوق مئذَنَتَينِ − يرفعُها

وذلك فوق أوتارِ الكمانِ !!

رَبَّاهُ !

إنَّ النشوةَ اتَّحَدَتْ ..

لماذا الاختلافُ على الدنانِ ?!

بالأمسِ سَمَّينا الهوى عَبَثاً جماليا

فلم نحفظْ وصايا (قيسَ )..

لم نحفظْ لَهُ :

من أجل عينِ حبيبتي

لا تجرحوا أبداً زُهَيرَةَ أقحوانِ !

من أجل قَدِّ حبيبتي

لا تقطعوا أبداً شُجَيْرَةَ خيزرانِ !

بالأمسِ لم نحفظْ وصايا (قيس)

كي نرفو من الكلماتِ أوتاراً

تُرَبي في أضالعِنا قطيعاً من حنانِ

واليومَ عُدنا

بعدما انسحبَ (المجازُ) من الخنادقِ

و(القصيدةُ) أصبَحَتْ عزلاءَ

لا تحمي الحياةَ من الحقيقةِ ..

هكذا عُدنا

وعاد الشعرُ درويشاً

يُطَيِّرُ في سماء الروحِ أسرابَ الدخانِ !

ضاع الحسابُ ..

وما تزال الأرضُ تَحْسِبُ

كم من الشعراءِ يلزمُها لترويضِ الزمانِ !

ضاع الحسابُ ..

وها هُمُ الشعراءُ

ما زالوا على ثقةٍ بأنَّ الأرضَ أجملُ في الأغاني !