ستالينغراد

نضت الروح وهزتها لواء

وكسته واكتست منه الدماء

واستمدت من إله الحقل . والبيت

والمصنع . عزما ومَضَاء

رمتِ الزرعَ بعين أثلجَ الدَمعُ

فيها ضرمَ الحِقدِ اجتواء

أعجلت عنهُ فآلت قَسَماً

أن ستسقيه دمَ الاعداءِ ماء

ومشت في زَحمةِ الموتِ على

قدمٍ لم تخشَ مَيلا والتواء

اقسمت باسم عظيمٍ كرمت

باسمِه أنْ لا تهين العظماء

يا ” ستَالينُ ” وما أعظمَها

في التهجي أحرُفاً تأبى الهجاء

أحرف يستمطرُ الكونُ بها

إنعتاقاً وازدهاراً وإخاء

خالق الامة لم يمنُنْ ولم

يبغِ – لولا أرَجُ الزهر – ثناء

وزعيمٌ شعَّ فيمنْ حولَه

قبسٌ منه فكانوا الزعماء

زَرَّ بُردْيهِ على ذي مِرّةٍ

فاض إشفاقاً وبأساً وعناء

مسّه الظلمُ فعادى أهله

وامترى البؤسَ فَحَبَّ البوساء

وانبرى كالغيمِ في مُضْحِيَةٍ

فسقى دهراً وأحيا وأفاء

بُوركَ الباني وعاشت أمةٌ

وفتِ الباني حقوقاً والبناء

قيل للعيشِ ففاضت امناء

وإلى الموت ففاضت شهداء

ومشى التاريخُ موزونَ الخُطى

ما انحنى ذُلاً ولا ضجّ ادعاء

هذه التربهُ لا ما سُمِّيت

وطناً يُنبِتُ جوعاً وعراء

وهي ذي الحفرة إذ طارت عَجاجاً

الفُ نفسٍ معها طارت فداء

وهو ذا العِرضُ فهل تبغي وقاةً

مثلَهم أو مثل ذا تبغي وقاء

قف على ” القَفْقاس ” وانظر

موكبَ المجدِ والعزةِ يمشي خُيَلاء

وسلِ ( القوزاقَ ) هل كان دماً

لمعانُ السيف أم كان طلاء

وجدَ الغادرُ من قسوتها

ما رأى من لطفها الضيفُ سخاء

والعتاقُ الجردُ هل لاقت بما

عاقها من جثث القتلى عناء

نفخت من وَدَجَيْها أن رأتْ

مُمْتطَى فارسِها أمسى خلاء

فهي والغيظُ مرى أشداقها

تعرِكُ اللُّجْمَ وتجتّر الغثاء

واحتواها رهَجُ الحربِ فما

تُبصر الأرضَ عتواً وازدهاء

من على صهوتِها يمنحُها

شرف ” الفارسِ ” عزماً وفتاء

ياعروسَ ” الفلغِ ” والفلغا دمٌ

ساءت البلوى فاحسنت البلاء

صبغ ” الدونَ ” دماءين هما

بُعدُ بين الرجس والطهر التقاء

وجرت امواجُه حاملةً

فوقها الضدينِ صبحاً ومساء

وعلى الجرفين ” عظمان ” هما

رمزُ عهدَيْنِ انحطاطاً وارتقاء

يا ابنة النهرين دومي شَبَحاً

لقويٍّ وضعيفٍ يتراءى

للمهينين عقاباً وجزاء

والمهانين انتفاضاً وإباء

كنتِ اسمى مثلاً من ظَفَرٍ

لم تلده خططُ الحربِ دهاء

غلب الغالبُ فيه وانثنى الطوقُ

– كالحبل – على الطوق انثناء

كنت رمزاً ألْهَمَ الجيلَ الفداء

وهدى الأعقاب ما شاءت وشاء

حسِبوا أمرك ما قد عودوا

صعقَ الحربِ اتقاداً وانطفاء

وابتداء من حديدٍ ودمٍ

يمهَرُ الفتح به ثم انتهاء

واستجاشوا – فيلق الموت على

ظمأ للدم منَّوه ارتواء

ومضوا فيما أرادوا خطوة

أوشك اليأس بها يمحو الرجاء

وجف الغربُ على وطأتِها

وأمالت كلكلَ الشرقِ فناء

وتلوت جيرةٌ طماحةٌ

أفناء تَتَلَقّى أم بقاء

حملت حاضرَها واثقةً

أنَّ في مستقبلٍ آتٍ عزاء

وانبرى التاريخُ في حَيْرتِهِ

أأماماً يتخطّى ام وراء

وسرت انباءُ سوءٍ تَدّعي

أن ريحاً تُنِذرُ الدنيا وباء

حُلُمٌ حلوٌ مُمرٌّ مؤنسٌ

مُوحشٌ سرَّ بما جاء وساء

طاف بالكون فأغفى اهلهُ

تعساءً و أفاقوا سعداء

فاذا العزة في عليائها

تتضرّى فتدوسُ الكبرياء

وإذا الأنقاض في كُرْبتِها

تُفْعِمُ المكروبَ كالرَّوض شذاء

واذا المنقضُ من أحجارها

لمح النجمَ تعالى فاضاء

وإذا الطاغوتُ في أعراسه

يملأ الدنيا نحيباً وبكاء

أنتِ امليت على تاريخه

طافحا بالكبر ذلاً واختذاء

ومحوتِ العجب من اسطاره

وملأت الصَّلَفَ المحضَ ازدراء

وصفعتِ الدنَّ في يافوخِهِ

صفعة لم تُبْقِ خَمْراً وانتشاء

حسب من ضاقت ثناياكِ به

أنه يبغي فلا يَقوى النَّجاء

وكفى المحتلَ هَوناً أن يُرى

الاسرون الغلبُ منه اسراء

نحنُ أهلَ الأرض لو نقْوى وفاء

لرفعناكِ على الأرض سماء

لجعلنا كلَّ عينٍ – مثلما

كلَّ قلب – تتملاكِ اجتلاء

نَعْمَ ما أسدَتْ يدٌ آثمةٌ

كشفت عن وجهِكِ الحرِّ غطاء

عاصفٌ مر فجلّى وانجلى

بدت الشمسُ به أبهى سناء

وضح الحق الذي طال خفاء

وتولى زَبَدُ الكِذبِ جُفاءا

وحّدَ العدلُ شعوباً خلطاء

عمروا الأرضَ وعاشوا خلصاء

وجدوا في تربة تجمعُهمْ

كلّ ما يُطْلبُ في الخُلْدِ اشتهاء

ورأوا في السّلمِ ديناً يُقْتَضى

ورأوا في الحربِ للدَّين اقتضِاء

اترجي – أن تنجي وطنا

من يد الموت – جنوداً فقراء

إن للحرب رجالا ليتَهُمْ

خبّرونا أنَّ للحرب نساء

وغيورات أبى تاريخها

أن ترى دون الغيورين غَناء

زانها الطهرُ رُواءً وارتمتْ

في مُثار النقعِ فازدادت رُواء

ذادت الامُّ عن البيت وقاء

وارتمى الطفلُ على الامِّ افتداء

وتعزَّت حين أخلت طُنفا

لم تَصُنْه – أنها صانت فِناء

” أم غوركَي ” ليت عندي وحيه

لأوفى ( بنتَك ) اليومَ الثناء

لو يعود اليومَ حياً لرأى

مثلَها ألفْاً تهزّ البُلَغاء

بل ولولا أن غوركي أمه

مثلُ هذي لم يُبزَّ النبغاء

يا ” تولستوي ” ولم تذهبْ سدى

ثورةُ الفكر ولا طارت هَباء

يا ثرياً وهبَ الناسَ الثراء

قُمْ ترَ الناسَ جميعا أثرياء

قُمْ تَجِدْهم ما لكِي غلّتهِمْ

من على عهِدك كانوا الأجَراء

هكذا ( الفكرةُ ) تزكو ثَمَراً

أن زكت غرساً ، وأن طابت نماء

قد محصتَ حقاً وادعاء

كلم يخترق السمع سواء

ووجدت الناسَ من جهلِهِمُ

لا يَميزون ثُغاء ورُغاء

استُغلوا فهُمُ من بأسِهمْ

لا يكادون يَعون الأنبياء

فحملت ” البعثَ ” باليمنىَ لَهم

وعلى اليسرى هناء ورخاء

وشجبت الرفقَ والرحمةَ من

نفر ليسوا بحق رُحَمَاء

ينشُدون الناس أحراراً وهم

ملأوا البيتَ عبيداً وإماء

وكَسَوْا كلبهُمُ الخزَّ ومنْ

حولهمْ يلتحفُ الجمعُ العراء

ووجدت الذئبَ في حالاتِه

ربما رافق معزاة وشاء

قد يكون الكذب مفضوحا هراء

ويكون الصدقُ مدسوسا وباء

ويكون الحقُ – ما بينهما

باطلاً والطالحون الصلحاء

يا ابنةَ النهرين هذا نَسَبٌ

من ولاءٍ لو تقبلتِ الولاء

بَعُدَ المَرْمى بما استهدفتِه

واختذى السهمُ فقصرتِ عياء

وارتمى الحسُّ على الحسِّ فما

يستطيع اللفظُ للوعي اداء

ومن الظلم – الذي تابَيْنَه

أن تسومي المعجزاتِ الشعراء

عاطفاتٌ حُوَّمٌ عاجت على

أبْحُرِ الشعر فردتها ظماء

وهي ما كانت لتدلي سببا

لك ، لولا أنها كانت بَراء

لم تُثِرْها نزوةُ النفس ، ولم

يُزهها العُجْبُ ولم تنبِضْ رياء

جُلُّ ما يسعفني به

أن يلبي ” الفمُ ” للقلبِ نداء