ما لهم يا قبر قد جدوا انصرافا

ما لهم يا قبرُ قد جدُّوا انصرافا

بعدما قد دفنوا فيك العفافا

وحثوا منكَ على عين العُلى

تربةً تستافها الحورُ استيافا

نفضوا تربك والصبرَ معاً

عن يدٍ تمسكُ أكباداً لهافا

وردوا أمس ثقالاً بالجوى

فبماذا صدروا اليوم خفافا

هل أعادوا معهم ما أخذوا

من حشاشات تبقُّوها لهافا

لا ومَن قد طهَّرَ الماءَ بها

مذ لها مطلقه كانَ مضافا

والتي راحَ الحيا ملتحفاً

معها طاهرَ برديها التحافا

بل أعادوا جمرة الوجدِ إلى

أضلعٍ باتت عليها تتجافى

حجب القبرُ ابنة الوحي التي

شرفُ الذكر بعلياها أنافا

من كريماتٍ على الله لها

ضرب العصمة خدراً وسجافا

لم تلد إلاَّ الذي يسقي كلا

ماتحي سجليه شهداً وذعافا

والتي ما مدَّت العليا على

مثلها يوماً لتخدير طرافا

صاحَ هل تعلمُ لمَّا أفردت

وامتلى القبرُ ضجيجاً وهتافا

أبذاك الترب واروا فاطماً

أم إليها العالمُ القدسيُّ وافى

ونعم فيه توراث شعبةٌ

من حشاها اختطفت منها اختطافا

ساقها الحتفُ ولكن بعدما

شقَّ من صدر الهُدى عنها الشغافا

وعليها مسحَ الوجدُ ضحًى

مقلةً عمياء لا تدري الجفافا

أوحشت من أمِّ شبلٍ غابةً

لو بها مرَّ أبو شبلٍ لخافا

كعبة التخدير إلاَّ أنَّها

خلقت للملأ الأعلى مطافا

دارُ قدسٍ أودعَ اللهُ بها

خيرَ أهل الأرض نسكاً وعفافا

قل لمن رامَ انحرافاً عنهم

ضلَّ من يبغي عن الحقِّ انحرافا

سادةٌ للرشد في مهديِّهم

جعلَ اللهُ من الغيِّ انتصافا

كلُّهم أبحرُ علمٍ طفحت

فاغترف من أيّهم شئتَ اغترافا

فضلوا الخلقَ أكفًّا سحباً

رفعَ المحلَ وأخلاقاً سلافا

أسكرتْ في حبِّهم حتَّى العدى

فهي الصهباء لطفاً وارتشافا

كرماءٌ لقِرى أضيافهم

ينحرون البدرَ لا البدنَ العجافا

آمنوا في الله مَن آمنه

وأخافوا من له اللهُ أخافا

يا ذوي الحلم وفيكم رقَّةٌ

فقتم فيها حنوًّا وانعطافا

إنَّما هزَّت قنا صبركمُ

نكبةُ الدهر فزادتها ثقافا

وعلى زحف الليالي لا شكت

أبداً أبيات علياكم زحافا