الحمد لله المعز الخافض

الحمد لله المعزّ الخافضِ

إذ بات ذو التقوى بعيشٍ خافضِ

المؤمن المهيمنِ الستارِ

والملك المقتدر القهّار

أحمده وهو حَرٍ بكل ما

يحمده العبد على ما أنعما

وهو الذي أنقذنا من كل شر

ومن ظلومٍ بأسه قد أنتشر

ثم الصلاة والسلام الأسنى

على الذي ربي عليه أثنى

من بالعطايا قد غدا محبورا

من ربّه وبالصَّبا منصورا

كذاك بالرعب إذا الخَطبُ هجم

وعثير الوغا علاثمّة أزدحم

محمد ذي المكرمات والوفا

وآله المستكملين الشرفا

وصحبه الذين فضلهم أتى

في النظم والنثر الصحيح مثبتا

قد جاهدوا لنصر دين اللَه

ودافعوا عنه بلا اشتباه

في وقعة الأحزاب يوم الخندق

كم تركوا عدوّهم في حنق

وهو إذاً بكل بلوى قد بُلي

مروّع القلب قليل الحِيَل

كم حافظوا وشيّدوا الثغورا

فالدين لم يبرح بهم منصورا

وسهروا الأعين في الحنادس

حتى أبانوا قبساً عن قابس

فعَّم فضلُهم على الترتيب

وناف قدرُهم على القريب

فلم يكن في الخَلق من رفيق

أولى به الفضل من الصدِّيق

وفضله لمن تصدى للإبا

ميّز كأكرم بأبي بكر أبا

كذلك الفاروق ذو الشجاعة

والمنطق العدل وذو البراعة

فاق على أمثاله إفضالُه

وقد مضت محمودةً أفعالهُ

أن كنت ترجو يا فتى أن تغنما

فلهما كن أبداً مقدِّما

كذاك ذو النورين والإحسان

زاكي النجار جامع القرآن

وكل لفظ صيغ للمفاخر

كطاهر القلب جميل الظاهر

فهو به يا صاح أولى وأحَق

كما لسان فضله بذا نطق

كذلك أبن عمّ خير الرُسُلِ

الباسل الصنديد مولانا علي

أثبتُ في الهيجاء يا ذا من أُحُد

أردى كماة الكفر كأبن عبدِ وُد

فكن على غيرهمُ مفضلاً

وركّه تزكية وأجمِلا

كذاك باقي الصَّحب والقرابة

أهل الثبات صاحبي الإصابة

فَفضلُهم لقد أتى وهو العلي

في الخبر المُثبتِ والأمر الجلي

ما بقي الإسلام في ظهور

كذا مدى الأحقاب والدهور

بعد السلام الوافر الغزير

على النجيب الحافظ البصيري

أشعَر أهل العصر والأوان

أفصح من قسّ ومن سحبان

إنّي قد اشتقتُ إلى لقاهُ

وقد وددتُ أنني أراهُ

حتى بدت لفضله أوصافُ

يعجز عن إحصائها الوُصّافُ

وقائل تسمع بالمُعيدي

خير من الرؤية يا سُوَيدي

فقلت ما تعني بذا وفضلهُ

محقّق عندي وهذا قوله

قد صرت أنهي مدحه مفصّلا

للمح ما قد كان عنه نقلا

يا أيها البارع يا من قد سما

وقد حوى الافضالَ والتقدّما

ما هذه الأرجوزة السنيّة

ما هذه الرائقة الشهيّة

تكاد أن تكون في ذا الرَّبط

فائقةً ألفية أبن معطي

نافت على أشعار مصقاع العرب

كذا على أنثار أصحاب الأدب

والحشوَ في بيانها لم تُحرز

تقرّب الأقصى بلفظٍ موجز

فكل لفظٍ مفرزِ معناه عَم

وكلمةٍ بها كلام قد يؤم

وهي لدى بيان ذي القضيّة

مقاصد النحو بها محويّة

فهي إذاً عن فضلها لم تُفرد

يحقُّ أن نكتبها بالعسجد

ذكرتَ فيها وقعة الأحزاب

فهي تحاكيها بلا ارتياب

وأنت فيما قلته مُصدَّق

فذاك عندي ما هو المحقّق

نعم أتتكم الجنود الباغية

ويّممتكم الفئات الطاغية

ودخوا بعزمهم قراكم

وأسَروا نساء مَن والاكم

لم يتركوا من آخرٍ وسابقٍ

وشدقم وهيلة وواشق

وحاصروكم حصاراً أشتهر

ناوين معنى كائنٍ أو أستقر

ودام ضرب الطوب والمدافع

بينكمُ بغير ما مدافع

وأرسلوا قُنبُرَهم مثل المطر

ولم يكن عدده قد انحصر

تصدُق إذ أخبرتنا جهاراً

دنوا فأمطروا علينا نارا

وبقروا بأرضكم لقوما

ليهتكوا عرضكم المكتوما

ورفعوا إليكمُ السلالما

ووجّهوا إليكمُ الضياغما

ورطنوا ما بينهم وحاصوا

وبالدِّلاص المسردات غاصوا

ثم دنوا منكم ليبتغوا الظَفَر

وكانت الساعة أدهة وأمَر

وأنتم أثبت من ثَهلان

مرابطين ذِروة الجدران

قد حرضتكم غيدكم على المقَر

في يا أبن أُمّ يا أبن عمّ لا مفر

فقُمتم كالأُسد من شَراها

تاللَه أنتم كَهَيَ في حماها

ودام فلق البيضِ في الجماجم

وهامِ كل كافر مقاوم

واشتدت الحرب على أربابها

وأنتمُ دون الورى أدرى بها

صرعتم الكفار بالرواصعِ

وبالمهند الصقيل القارع

أزلتم الهام عن الجثمان

من العدى في لُجَّة الميدان

في قاعة جَرت بها الدماء

جداولاً عيونها الأعداء

ومهمهٍ مغبّرةٍ أرجاؤه

كأن لونَ أرضه سماؤه

واللَه قد حفكّم بالنصر

فزال عنكمُ جميعُ الضُرّ

فولّوا الأعداء عنكم هربا

وما قضوا من الدنوّ أربا

وأشتد حزن الشاه عن فليلِ

ولم يزل مستتراً بالفيل

قد كان قبلاً في الحروب حقاً

يغلب لكن ليس مستحقا

والآن أهل الدين والأعرفُ به

بعكس ذاك استعملوه فأنتبه

ظَنَّ الغادر اللئيمُ

الفاجر المحارب الظلومُ

أن يغلب السلطان قدراً وعُلى

ويأخذ البلاد حتى المَوصلا

ويأسر النساء والصبيانا

ويقتل الرجال والشبّانا

قد خاب ظنّه مدى الزمان

ما دلّه إلاّ على خسران

يا أيها الأعاجم الزعانفُ

والمعتدون الأرذلون أنصفوا

هل أنتمُ مثل بني عثمانا

أو تعرفون الضرب والطعانا

حتى ترموا منهم المبارزة

في لجة الهيجاء والمناجزة

تحكَّكت عقربكم بالأفعى

واستنت الفصال حتى القرعا

هذا وأهل الموصل الحدباء

قد جلبوا لكم جميع الداء

وسكن الأكثر منكم في الحفر

أكتع والنادر منكم في ضرر

فكيف لو جاءتكم الجحافل

كأنها الأطواد والمعاقل

كأنهم في الحرب والمصادمة

ليوث غاب خرجت لمغنمة

خميسهم يوم الوغى لا يغلب

وجمعهم منه الأعادي تهربُ

أولئكم قوم لدى الهيجاء

كم سفكوا من أحمرالدماء

أيّدهم ربّ العباد بالظَفَر

ولم يزل حافظهم من كل شَر

فالسيف أن تسأله فضلهم نطق

والغرض الآن بيان ما سبق

أحسنتمُ يا أهل تلك المَوصل

في قصّكم جناح هذا الأخيل

قريتم الطير بأشلاء العدى

والوحش لم يبرح شكوراً أبدا

أحسنتم في جعلكم قبورا

لهم وحوش الأرض والطيورا

حفظتمُ طهارة الصحراء

عن جثث البغاة والأعداء

بشراكم قد نلتم من ربّكم

جزاء أخبارٍ بهذا فعلكم

حميتم الإسلام بالأسلام

بل بالردينيّ وبالحسام

وصنتمُ عِرضَكمُ عن الأذى

فلم يزل منزّهاً عن القذى

حفظتم بالرمح والصقيل

نحرَ فتاةٍ أو فتىً كحيل

للّه درّكم ودرّ قرمكم

رئيسكم أبي مرادٍ شهمكم

كم جرَّع الأعداءَ كأس الحتف

حين دنوا منكم بلا تخفّي

ولم تَرُعه الحادثات والنُوَب

بل لم يزل جلداً مكابد الكرب

كذاك تِربُه الوزير الكاملُ

الفاتك الليث الجسور الباسل

توافقا شجاعة بل أسما

وحَسَباً من النجوم أسمى

وأقترنا في الحفظ والحراسة

والجدّ والحزم كذا السياسة

فلا يزالون مجاهَدين

ويعملان الخفض مصدرَين

جدّا بحفظ الغانيات الهيَّفِ

بكل بتّار صقيلٍ مرهف

فما هما إلاّ كليث ذي لبد

محافظاً شراه عن كل أحد

ولا يزالون على الطعان

بالسمهريّ الأسمر السنان

وبالبنادق الشداد الحارقة

وبالسيوف الفالقات البارقة

إلى أن أشتدّ الوغى وامتدّا

وقائلٍ واعبديا واعَبدا

تولّيا الميدانَ والأعداءُ

قد هربوا إذ سُفِكَ الدماء

خُصَّهما بالفضل والمباهلة

وما سواهما فوسِطَه صلة

فَضلَهما ذكرتَ يا أبا النظر

لكن ما ذكرتَ غشوماً أشتهر

بشراكمُ قد حُمِدت عقباكمُ

وقد أزيلت عنكم أسواكمُ

وافتخروا فخراً مدى الزمانِ

على جميع المدن والبلدان

إلاَ علينا يا أولي الشجاعة

لاتفخروا في هذه الصناعة

لأنكم منّا لقد عُلّمتم

حسنَ الثبات بل قد استفدتم

نحن فتحنا لكم ذا البابا

لا شكَّ في هذا ولا ارتيابا

وقد يُخَصّ في أناس لم تجد

ذا الباب وهو عِند قوم يطَّرد

حُزنا الفخار بل جميع الشِّيمَ

لأن كل الفضل للتقدُّم

ثباتُنا يوم الحصار الأكبر

أريتم أمثاله في الأعصر

حيث العدوّ قد أحاط بالبلد

وطوبه حاص علينا ورَعَد

فصدَّرته سُمرنا عن بيضنا

وردعته البيض عن حضيضنا

والطوب والقُنبرُ منا لم يَزَل

يقصِم من أعدائنا كل بطل

وكل يوم نحن في قتالِ

معهم بفارسَين أو رجالِ

ونحن في الهيجاء تحت العثير

في عزمة الهرقل والإسكندر

ونحن في هذا الحصار الأعسر

محافظون السورَ سبعة أشهر

ونفذ الزاد ومات الأكثرُ

جوعاً ولم نَذِلَّ بل لا نضجر

وقد عَدِمنا حفنتين بُرّا

ومنوَين عسلاً وتمرا

فأكلُنا للخيل والجمال

كذاك للحمير والبغال

هذا وأمّا في الحصار الأصغرِ

فقد رأينا فيه كل الكدَرِ

ولم نر الخمولَ والفتورا

بل دائماً محافظون السورا

وكيف نخشى صولة الأعادي

وعندنا الشجاع ذوا الأيادي

وكيف نخشى سربهم وإن دنا

ورجلٌ من الكرام عندنا

وكم بأقوال نفاخر العِدا

فما لنا إلا أتّباع أحمدا

ثباتكم في ذا الحصار الهائِل

وحربكم لجملة القبائلِ

سنّة خير الوزراءِ أحمدا

وكل قَرم بخصاله أقتدى

وشهمكم في فعله الفعلَ الحَسن

راعى في الاتباع المحلَّ فحسن

لأحمَد الأفعال فيما أسّ َسا

فهو به في كل حكمٍ ذو اتسّا

قد فاق كلَّ ملكٍ وزيرِ

في حُسن سيرةٍ وفي تدبير

لِذلك السلطانُ راعى فضله

وفوّض الأمر إليه كُلّه

وأختار ما يختاره أبن الحَسنِ

أحمدُ أفعالٍ فريدُ الزمن

من سلمٍ أو حربٍ على الذي يجب

وكونه أصلاً لهذين انتُخب

حوى ثلاثَ شيمٍ لا توجَدُ

في غيره فهو بها منفرد

السيفَ والتدبيرَ والمكارما

ثلاثُهنّ تقضي حكماً لازما

فكن له في فضله موَحّدا

وَثَنِّ وأجمع غيره وافردا

وإن عَددتَ الصيد في حُسنِ الشيم

والحسب العالي الرفيع والكرم

فابدأ بذكر الملك المفضال

وقَدّمِ الأخصَّ في اتّصالِ

فهو الذي بنفسه حَمانا

قِدماً وعادى كلَّ من عادانا

وهو بحفظه لنا عن الأذى

لقد سما على العدى مستحوذا

فأقبل حديثي قد أتاك مُثبَتا

وما روَوا من نحو رُبَّهُ فتى

سطا على أعدائه في جحفل

وشُغِلَت يمينهُ بالأسَلِ

في يوم حرب الشاه غزوة العجم

فكم أباد بطلاً وكم قصَم

وقامت الحرب على ساقٍ حُسِر

وما لا تَقِس على الذي منه أُثِر

فكم له نظم ونَثرٌ في العدى

وكم سقاهم كأسَ حتفٍ ورَدى

كم راعهم حين أتاهم يرعد

في نحو خير القول فيَّ احمدُ

إذ ولج الميدان كالطود أنغَرَس

ولّوا وظَلَّ الشاه يحمى بالفَرَس

وهرب الكلّ بلا تواني

كالفضل والحارث والنعمان

كم غزوة غزا البغاة فنُصِر

وكم سرّية بها الباغي قهر

حكى أباه في الوغى وفي الكرم

ومن يشابه أبَه فما ظلم

تاهت به إذ أمِنت بغدادُ

وحَسَدتها المدن والبلاد

إن كنتَ تبغي وصف ذا الإمامِ

من هذه السطور والأرقام

فعُشرُ عُشرِ فضله ما حصَّلَت

وإن نعوتٌ كثرت وقد تلت

لكن أردتُ دون أظهاري النعم

تبيينيَ الحقَّ منوطا بالحِكَم

فكلّ مالك وكل أصيَدِ

بنسبةٍ إليه هم كالحَشد

ونادرٌ وذو اضطرارٍ غير ما

قدّمّته أو لأناسٍ انتما

لا زال محفوظاً مدى الزمان

من شرّ كل حاسدٍ معيان

ثم من الصلاة والسلام

أزكاهما على النبي الإمامِ

محمد المحبور بالسكينة

وكل من حاضر في المدينة

وتابعيهمُ على التوالي

كذا على ناظم ذي اللآلي

راجي ثواب الملك المنان

نجل السويدي عابد الرحمن

ما قامت الفرسان للمجادلة

لنصر دين اللَه في المباهلة