في ركب النور

قِفِي قبلَ التفَرُّقِ والتَّنائي

أُزَوِّدُ للفِرَاقِ مِنَ اللقَاءِ

وَأَحْمِلُ مِنْ سَناكِ سِراجَ نُورٍ

يُضِيءُ لِيَ المسَالِكَ في المسَاءِ

وأَجعَلُ مِنْ حَدِيثِكِ لِي رَفِيقاً

يُعينُ أخَ السِّفارِ على العَنَاءِ

فَإِنِّي في فِراقِكِ في افتقارٍ

وإني في لقائكِ في غَنَاءِ

ولو بَلَغَتْ يَدَايَ هُنا طِلابِي

لَما امْتَدَّت إلى تَعَبِ التنائِي

ولو قد نِلتُ مِنْ عِلْمٍ كِفَاءً

لَمَا بِتُّ اللياليَ في العَراءِ

وهلْ للعلمِ مِن حَدٍّ فيُرْجَى؟

وهل يُعْطَى المعالِيَ ذُو اكتِفَاءِ؟

ظَمِئْتُ إلى العُلُومِ، وليسَ وِرْدٌ

لِذِي ظَمأِ العُلُومِ بِذي ارتِوَاءِ

إِذَا رُمْتُ الدَّواءَ بِبَذْلِ جُهْدٍ

شَرِبْتُ أُصُولَ دَائِي في الدَّواءِ

ويحلو لي الدَّواءُ وفيه دائي

فقولي: هل لسُقْمِيَ مِن شِفَاءِ؟

بَرِئْتُ من الشِّفاء إلى سِقامِي

ومِنْ حُبِّ الجمَامِ إلى الشَّقَاءِ

وأنعمْ بالشَّقَاءِ وباغْتِرابي

وفَقْري إن يَقُدْنَ إلى العلاءِ

وبؤْسِي في فِدَا العَلْيَاءِ سَعْدٌ

لأنَّ المجْدَ يُشْرَى بالبَلاءِ

إليْكِ أسِيرُ في سَفَرِي، فصَبْراً

لأدْنُو –بابْتِعَادِيَ مِنْ رجَائِي

جَعَلْتُ مِنَ التوكُّلِ لي سِلاحاً

وتقوى اللهِ لي خيرَ الوِقاءِ

وخلفِي دعوةٌ لأَبٍ وحِبٍّ

تُؤمِّنِني المصائبَ مِنْ ورائِي

وتفتحُ لي نَوافِذَ كُلِّ خيرٍ

وتُغْلِقُ بابَ عجزٍ وارتخاءِ

فَدَيْتُكِ، فاصبِري.. وارضَي بحُكْمٍ

وجودي في صلاتِكِ بالدُّعاءِ

ولا تَخْشَيْ عَلَيَّ مِنِ افتقارٍ

فمالِي العلمُ، والتقوى رِدَائي

فِراشي الشِّعْرُ إنْ أطلُبْ جِمَاماً

أوَيتُ إليهِ والذكرى غِطَائي

وما عَجَبٌ مُقامِي في رخاءٍ

فإني في جِوارِ أبي عطاءِ

ومَنْ عرَف النجُومَ كستهُ نورا

وسَارَ على المفاوزِ في اهتِداءِ

ورَاءَ صُوَى الطريقِ فسَارَ قَصْداً

وصَارَ مِنَ المصَائِبِ في نجَاءِ

فكَيْفَ بمن دَنَا منها، فأضْحَى

يساير رَكْبَ أقمَارِ الفَضَاءِ

أ يرضى بعدَما صَحِبَ الثُّرَيَّا

بِبيتٍ في الثرى؟ أم في السماءِ؟

أتيتُ وقد غزَتْ قلبي البلايا

وأمطرتِ المصائبُ في فنائي

وأظلمَتِ الدنا حولي وأظْمَتْ

وبادرني زَماني بالعداءِ

وهِمْتُ فمَا أرى –مِنْ فرط هَمِّي

خلاصا مِنْ عذابي وابتلائِي

سعيتُ إلى لقا رحِمي لأنسى

فأرشدني الوصالُ إلى الدواءِ

تجلت في حديثِكُمُ الأماني

وعاد الأنسُ في أُفْقِ الصفاءِ

وأحيى القلبَ ما أملى انشِراحٌ

وأعمى البؤسَ ما ألقى انتشائي

عرفتُ بقربكمْ معنى المعالي

ومعنى العيشِ في حضن الرجاءِ

وعادتني المصائبُ والدواهي

وقبلا كنتُ منها في إخاءِ

لقيتكَ أول اللقيا غريبا

كما الظمْآنُ يلقى حوضَ ماءِ

دَنِفتُ من الصدى فسُقيتُ ماءً

فأحياني لقا أجرى دمائي

فلا والله ما في الدهرِ يومٌ

بأسعدَ من حديثك واللقاءِ

ولا يومٌ كيوم صحبتُ فيهِ

نَداكم في الطريق أبا عطاءِ

كأني حينها الصوفيُّ لذَّتْ

له الدنيا بألحان الغناءِ

كأني في انتظار حديثِ شيخي

أخو سغَبٍ يحِنُّ إلى الغِذاءِ

جمعتَ إلى البشاشة حسن قولٍ

كتقوى الله ضمَّ إلى الثراءِ

وما كل الدعاةِ لهم قبولٌ

وأنس في القلوب على اصطفاءِ

حللتَ بكلِّ قلبٍ دار أنسٍ

يفاخرُ في امتداحِكَ كلَّ ناءِ

أسرْتَ بحسن قولٍ واستماعٍ

نفوسا قدْ برئنَ مِنَ الفداءِ

سعيدٌ منْ رضيتَ بِهِ مُريدا

وأسعدُ مَنْ سقيتَ مِنَ الثناءِ

وأشقى الناسِ مقرورٌ فقيرٌ

يمرُّ على السنا دونَ اصطلاءِ

يعز بصحبة العلماء قومٌ

ويُردي معشرا طلبُ الهباءِ

ومنْ صَحِبَ الأفاضلَ كان حيا

ويحيا الجاهلون على الفناءِ

دعوتُكَ يا إلهي، يا مجيبا

فسَدِّدْ في خُطاهُ أبا عطاءِ