غالط زمانك لا تحفل بمن عتبا

غالِط زَمانَكَ لا تَحفَل بِمَن عَتَبا

وَدَع دَعاويِهِ إِن صِدقاً وَإِن كَذِبا

ما خادَعَ الدَهرَ إِلّا أَروَعٌ فَطِنٌ

وَمَن يُغالِبُهُ في حُكمِهِ غُلِبا

تَصفو الحَياةُ لِمَن أَغضى وَسالَمَهُ

وَقادَ بِاللِينِ مِن دُنياهُ ما صَعُبا

هَل مَرَّ في الدَهرِ جيلٌ غَيرُ مُنتَقَدٍ

أَحكامُهُ فَاِسألِ التاريخَ وَالكُتُبا

وَمِل إِذا وَسوَسَ الخَنّاسُ عَن عَجَل

لِلعبدِليَّةِ وَاِخلَع عِندَها الوَصَبا

وَرَوضَةٍ حَولَ لُجِّ البَحرِ راوَحَها

صَوبُ الغَمامِ وَغادَها النَسيمُ صَبا

وَدَبَّجَتها سَما نيسانُ فاِبتَهَجَت

وَقامَت الطَيرُ في أَفنانِها خُطَبا

تَقولُ يا أَيُها الإِنسانُ حَيّ عَلى

جِريالَ إِن جالَ قالَ الهَمّ وَاِحرَبا

وَشادِنٍ إِن شَدا بِاللَحنِ تَحسَبُهُ

مُتَرجِماً عَن ضَميرِ العودِ إِذ ضُرِبا

يُصغي وَيُلقي عَلى الأَسماعِ مُضمَرَ ما

أَخفاهُ مِن قَبلِ ذا في جَوفِهِ حِقَبا

وَلِلنَّواعيرِ وَالدولابِ هَينَمَةٌ

كَمِثلِ إِلفَينِ قَد خافا مِنَ الرقَبا

هَذا يَئِنّ وَيَسقي الرَوضَ أَدمُعَهَ

وَذا يُوَلوِلُ لَمّا شَاهَدَ الطَرَبا

وَبِركَةٌ مَرِحَت حيتانُها وَغَدَت

كَأَنَّها في قُنونِ الماءِ بِنتُ رُبى

أَو دُميَةٌ مِن رُخامٍ شِبهُ غانيَة

رِدفاً وَقَدّا وَثَغراً قَد حَوى الشَنَبا

تَمُجُّ مِن ذَوبِها مِثلَ الجُمانِ إِلى

ذَوبَ السَحابِ فَلا يُدرى الَّذي غَلَبا

أَو سَروَةٍ مِن لُجَينٍ هَزَّها طَرَبٌ

فاِنثالَ مِن فَرعِها البِلَّورُ وَاِنسَكَبا

أَو بُندُقيَّةُ مَن يَرمي بِلؤلُئِها

نَسرَ السَماءِ وَإِلّا البَدرَ وَالشُهُبا

أَوِ الثَرَيّا تَوَلَّت مِن مَعارِجِها

لِلرَوضِ تَقضي بِهِ الحَقّ الَّذي وَجَبا

فاِمزُج بِسَلسالِها ماءَ الحَياةِ وَضِف

لَهُ رُضاباً يُحاكي الراحَ وَالضرَبا

مِن ثَغرِ مَن سَبَتِ الأَلبابَ ثُمَّ رَنَت

إِلى الوُشاةِ وَقالَت لي أتَّخِذ سَبَباً

وَاِنعَم بِوَصليَ في رَوضٍ حَكى خُلُقي

وَلا تُصِخ لِمَقالِ المازِحينَ صَبا

بِذاكَ فالهُ مِنَ الدُنيا وَقَدكَ إِلى

أَن يَردُدِ الدَهرُ ما قَد بَزَّ وَاِغتَصَبا

فالدَهرُ كالدَهرِ وَالأيّامُ واحِدَةٌ

وَلا بَقاء لِمَغلوبٍ وَمَن غَلَبا