العذراء الخائنة

أحببتها ساخرة كالرؤى

مبهمة غامضة كالظنون

مجنونة و الحسن لم تكتمل

فتنته إلاّ ببعض الجنون

طروبة ضحّاكة كالصّبا

كئيبة قاتمة كالمنون

اليأس في أجفانها و المنى

و الضحك في ألحانها و الأنين

و خفّة الأيّام في ثغرها

لكن بعينيها وقار السنين

قد مزّق الفجر و لم تثنه

شفاعة الحبّ و نجوى الفتون

غلالة شفّافة عذبة

على لماها من رؤى الحالمين

تثير في قلبي شكوك الهوى

لاذعة ثمّ تريد اليقين

هيهات قلبي قد غدا كافرا

و كان فيها أوّل المؤمنين

يا صورة أبدع تكوينها

في مطلع الفجر إله الفنون

و نغمة من بعض ألحانها

همس اللّيالي و ارتعاش الغصون

و نفحة لله عطريّة

ندّية حيّا بها البائسين

و زهرة أخشى على حسنها

من خطرة الفكر و نجوى العيون

لا تخدعيني إنّني عالم

بما تبينين و ما تكتمين

أرى على خدّيك فيما أرى

بألف لون قبل العاشقين

من قبلة خائنة مرّة

و قبلة وادعة في الجبين

و قبلة حمراء مثل اللّظى

و قبلة بيضاء مثل اليقين

تأبين إلاّ محو آياتها

و هنّ يا ليلاي لا يمّحين

لا تنكري حبّك لي إنّني

أستشهد الريحان و الياسمين

و النهر إذ تنظر أمواجه

لا أستحي منها و لا تخجلين

و الأيكة الخضراء إذ أبصرت

تبذّل الحسن الشهيّ المصون

و أنّه بحت بها للدجى

فعطّر اللّيل عبير الأنين

دامية موجعة وقّعت

ألحانها يمنى الرّجيم اللّعين

سأسكب الدمعة فيها الأسى

و الشعر و الحبّ الشجيّ الحزين

لعلّني يشفع بي عندها

هذا الهوى الباكي و هذا الحنين

سا صورة أبدع تكوينها

في مطلع الفجر إله الفنون