جرى الصفاء بفوار الهنا العذب

جرى الصفاءُ بفوار الهنا العذبِ

يسقي من الأطيبين الشهد والحببِ

كأنَ مجراه من عين الحياة أتى

يعطي التهاني ويشفي كل ذي وصبِ

نهر من الشهد لابل كوثرٌ غدقٌ

روى الظما وشفى الأحشا من اللهبِ

فيا لهُ منهلاً بالخير مندفقاً

قد جاءً بالقاع يحيي ميت التربِ

كأنه في قناةٍ وهو منحدرٌ

ذوب اللجين جرى في جدول الذهبِ

وصوّت الماءُ في سلساله وشدا

ردوا زلالاً عن البلور منقلبِ

أغنى عن العود لحناً صوته سحراً

وطعمه الحلو أغنانا عن الضربِ

وراق للعين لما راق مورده

ونزّه القلب عن همٍّ وعن كربِ

سقى الورود كؤوساً بالصفا مزجت

وهو الصفاءُ فما أحلاه من لقبِ

أهدى لنا الجوهر الصافي وسلسله

اصفى زلالٍ من الفردوس منسحبِ

لما تسلسل بالقيعان صيّرها

تحكي الجنان بزاهي روضها الخصبِ

جاز القفار فأحياها ومدّ بها

بسط الربيع على الوديان والكثبِ

كسى الربى حلل الأزهار واتشحت

من البطاح بثوب السندس الرطبِ

ومرّ بالسفح يسقيه النضارة من

فياضه وهو يغنينا عن السحبِ

ماءُ تحدر من روض الجنان إلى

روض النعيم بغير البرءِِ لم يثبِ

أجراه يرجو من اللَه الثواب به

نعم البشير وبدر السادة الشهبِ

مولى كريم أزال الصعب واحتكمت

أيدي عزيمته في كل مرتغبِ

نضا له همة قدّ الجبال بها

وأخرق الصخر مع مستعظم الهضبِ

وجرّه في قناة أعجزت عملاً

بني الزمان وابنا سالف الحقبِ

فجاء مجراه بسم اللَه منحدراً

مباركاً نازلاً في المنزل الرحبِ

حكى الفرات بطامي جدولٍ وروت

قناته عجباً عن أعجب العجبِ

واخضلّ ربع الحمى بالخصب مبتسما

إذ فاض ما بين منهلٍّ ومنسكبِ

كم بركةٍ ملئت من مائه وغدت

تهدي لنا الدر من ميزابها الذهبي

يا حبذا ربع بيت الدين فاض به

ماء الصفاء فاضحى منتهى الطلبِ

حكى الجنان بانهار تدفق من

فوارها سلسبيل الفوز والأربِ

دارت به حاويات الماء ساقيةً

كاس الهنا بصفا اللذات والطربِ

هنيت هنيت يا مولاي في عملٍ

سموت فيه على أهل العلا النجبِ

أجريت ماءً فلا يسطيع غيرك أن

يجر به كلّا ولو بالفكر والرغبِ

جعلته جارياً في الشامخات على

آنافها يتسامى غير مطرّبِ

يجري ككفيك في جودٍ ويخبر عن

فياض عزمك يا مولى بني الأدبِ

بشراك بشراك قد حزت النجاح بما

أمّلته وأتى ينقاد غير أبيّ

للَه درّك من شهمٍ وذي هممٍ

قد طاولت بعلاها سبعة الشهبِ

هي العناية يؤتيها الإله لمن

يرضيه مثلك لا بالجد والتعبِ

شيدت للمجد آثاراً سمت وغدت

تروي لنا عن ملوك العجم والعربِ

دم في سعود مدى الأيام مغتنماً

فوزاً ومحتكماً في أشرف الرتبِ

ولا تزال لك العلياءُ خادمةً

في كلما تشتهي يا مشرق النسبِ

لديك زُفّت فتاة الفكر مسفرةً

ثغر الدعاءِ وقد وافت على خببِ

تهدي التهاني بنهر طاب مشربه

وجاء أرّخت يجري بالصفا العذبِ