كان جيما

“والحرفُ يسري حيث القَصْدُ: جِيمٌ جَنّة، جِيمٌ جَحيم”

“لا تكن عنيداً كالألف، ولا تكن كالباء برأسين، كُنْ كالجيم”

***

هنا أوّلُ الصمتِ،

وآخِرُ ما أنْطَقَ الشُعراءَ ،

وما ظَلَّ في الماء .

تَراهُ ، فأنتَ ترى عَدَماً في الهواءِ !

تمدّ لسانكَ ؛ لا طَعْمَ في طَبَقِ الياءِ،

ليستْ بِجِيمٍ !

فكيف ستعرفُ أنّ السَفَرجَلَ حَرفٌ تَكوَّر للحَلَماتِ ،

وفاضَ على شهوةٍ بالِّلباء !

وتلمسهُ ؛

قد تعودُ الأصابعُ من لهبٍ في المرايا!

ولا شيءَ من عَبَقٍ يملأ الرأسَ،

كلّ الذي كان، قد كان .. لكنّه غيرُ ما قد تظنُّ،

فليس له جسدٌ أو رِداء .

وليس لرائحةِ الغَيْبِ نَشْرٌ يعبّئُ وجهَكَ ،

ليس لشَهْدِ الغموضِ مَذاقٌ ،

فكيف ستعرفُ هذا الذي يحملُ الأرضَ طيراً ،

وينبض في عالياتِ الخَفاء ؟

تمَعَّنْ قليلاً ، لسوف تراهُ إذا كنتَ في رحلةِ النارِ،

أو لن تراهُ إذا بِتَّ في منزلِ النائمينَ ..

وقد غابَ عن بابهِ الأنبياء .

***

هنا أوّلُ الجِيمِ،

منتصفُ النَّصْلِ،

آخرُ ما كسّرَ الرّعدَ في ظَهرِ غيمتِه

في السماء .

وأجملُ جِيْدٍ تَعَطَّلَ بالشَمعِ

حتى أضاءَ الكواسِرَ في بحثِها

عن حَريرِ العَشاء .

وخامسُ إخوتِه القادرينَ على سَكْبِ أوتارِه ..

للغِناء .

وثالثُ مَن فتحوا كهفَ عُزْلَتِنا

كي نرى في المَجَرَّةِ ما لم يكن حولَنا

من جُنونٍ حكيمٍ ..

لندخلَ في دمعةِ الأولياء .

***

جسدٌ أو جمادٌ ..

وَثَمّةَ ما يجمعُ الثلجَ والجَمْرَ،

أو أنَّ ذاك الجدارَ تعمَّدَ أن يحملَ الجِهَتَيْنِ

إلى جَبلِ العارِفينَ ،

فكانت مُلوحَةُ موجِ المحيطِ ،

وسُكَّرُ نهرٍ يدورُ ، ويبحث عن أُمِّهِ .. بالبكاء .

ولو أدركَ الجِيمَ وَزّعَ سُكَّرَه للغصونِ ،

وصعَّدَ أحلامَه في الِّلحاء .

ولكنَّه دون جِيمٍ،

لهذا سيتعبُ من صخرةٍ أو سفوحٍ،

ويبحثُ عن مَسْربٍ للهروبِ ..

إلى أنْ يُقدّمَ أنفاسَه للشواطئِ،

ثم يعودُ …

وهل سيعود الذي ذوّبته التجاعيدُ في عَينِها ؟

ليتَه كان جِيماً،

ويا ليتَ أمواجَه للعطاشى الذين يموتون

من ظمأٍ في الرِّواء .