الى آخري والى آخره

هل تَعِبْتَ من المشي

يا وَلَديي ، هل تعبتْ؟

نَعَمْ ، يا أَبي

طال ليلُكَ في الدربِ ،

والقلبُ سال على أَرض لَيْلِكَ

ما زِلْتَ في خفَّة القطِّ

فاصْعَدْ إلى كتفيَّ ،

سنقطع عمَّا قليلْ

غابة البُطْم والسنديان الأخيرةَ

هذا شمالُ الجليلْ

ولبنانُ من خلفنا ،

والسماءُ لنا كُلٌّها من دمشقَ

إلى سور عكا الجميلْ

ثم ماذا ؟

نعود إلى البيت

هل تعرف الدرب يا ابني

نعم ، يا أَبي:

شرقَ خرّوبَةِ الشارع العامِّ

دربٌ صغيرٌ يَضِيقُ بِصُبَّارِه

في البداية ، ثم يسير إلى البئرِ

أَوْسَعَ أَوْسَعَ ، ثم يُطِلُّ

على كَرْمِ عَمِّي “جميلْ”

بائعِ التبغ والحَلَوِيَّات،

ثم يضيعُ على بَيْدَرٍ قبل

أَن يستقيمَ ويَجلِس في البيت،

في شكل بَبْغَاءَ ،

هل تعرف البيتَ ، يا ولدي

مثلما أَعرف الدرب أَعرفُهُ:

ياسمينٌ يُطوِّقُ بوَّابةً من حديد

ودعساتُ ضوءٍ على الدرج الحجريِّ

وعبَّادُ شمسٍ يُحَدِّقُ في ما وراء المكان

ونحلٌ أليفٌ يُعِدُّ الفطور لجدِّي

على طبق الخيزران ،

وفي باحة البيت بئرٌ وصفصافةٌ وحصانْ

وخلف السياج غدٌ يتصفَّحُ أَوراقنا…

يا أَبي ، هل تَعِبْت

أَرى عرقاً في عيونكَ؟

يا ابني تعبُ … أَتحمِلُني؟

مثلما كنتَ تحملني يا أَبي،

وسأحمل هذا الحنين

إلى

أَوَّلي وإلى أوَّلِهْ

وسأقطع هذا الطريق إلى

آخري … وإلى آخِرِهْ!