تحية يا حماة البلج يا أسد

تَحِيَّة يَا حُمَاةَ الْبِلْجِ يَا أُسُدُ
هَذِي المَوَاقِفُ لَمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُ
طَاغٍ أَلَمَّ بِكُمْ وَهْناً يُرَاوِدُكُمْ
عَنْ عِصْمَةِ الدَّارِ لاَ يَعْتَاقُهُ رَشَدُ
لِيَسْتَبِيحَ كَمَا تَهْوَى مَطَامِعُهُ
مَحَارِمَ الْعَهْدِ لاَ يَلْوِي بِهِ فَنَدُ
قَدْ غَرَّهُ الْعَدَدُ الْجَرَّارُ مُجْتَمِعاً
مِنْ جَيْشِهِ وَالسِّلاَحُ الْجَمُّ وَالْعُدَدُ
وَمَا دَرَى أَنَّه لَوْ نَالَ مِدْفَعُهُ
أَرْسَى الْقِلاَعِ فَدُكَّت وَهْيَ تَتَّقدُ
وَأَنَّه لَوْ مَشَى فِي جَحْفَلٍ لَجِبٍ
كَالنَّارِ تَمْتَدُّ أَوْ كَالمَوْجِ يَطَّرِدُ
لَمْ تُولِهِ الْمُفْنِيَاتُ السُّودُ أَجْمَعُهَا
رِقَابَ بِضْعَةِ شُجْعَانٍ بِهِمْ جَلَدُ
عَدَا عَلَى الْحَقِّ وِلِهِلْمٌ يُجَرِّئُهُ
دَاءَانِ فِيهِ طُمُوحُ النَّفسِ وَالْحَسَدُ
أَيَغْلِبُ الْحَقَّ لَوْ أَمْسَتْ فَيَالِقُهُ
عَنْ حَيِّزَيْهَا يَضِيْقُ الأَيْنُ وَالأَمَدُ
إَنَّ الشَّجاعَةَ وَالنَّصرَ الْخَلِيقَ بِهَا
مَا يَفْعَلُ الْبَأْسُ لاَ مَا يَفْعَلُ الْعَدَدُ
فَكَيْفَ وَالْخَلْقُ إِجْمَاعاً قَدِ ائْتَمَرُوا
عَلَى مُقَاتَلَةِ الطَّاغُوتِ وَاتَّحدُوا
حَمَى الْبِرِيطَانُ غِشْيَانَ الْبِحَارِ عَلَى
سَفِينِهِ فَهْوَ لاَ رِزْقٌ وَلاَ بُرُدُ
وأَيَّدُوا بِالسَّرايَا الْغُرِّ جَارَتَهُمْ
فَكَانَ خَيْرَ مُجِيرٍ ذَلِكَ المَدَدُ
قَلُّوا سَوَاداً وَجَازَ الْحَصْرَ مَا فَعَلُوا
حَتَّى لَيَذْكُرَهُ النَّائِي فَيَرْتَعِدُ
عَزَّتْ فَرَنْسَا بِهِمْ فِي جَنْبِ فِتْيَتِهَا
لِلّهِ فِتْيَتِهَا وَالمَجْدُ مَا مَجدُوا
يُكَافِحُونَ بِلاَ رِفْقٍ وَلاَ مَلَلٍ
نُمْرودَ حَتَّى يَخِرَّ الْعَرْشُ وَالْعَمَدُ
وَالرُّوسُ مِنْ جَانِبٍ ثَانٍ تُلِمُّ بِهِ
إِلمَامَ غَيْرِ محِبٍّ قُرْبهُ لَدَدُ
جَيْشٌ خِضَمٌّ صَبورٌ طَيِّع شَكِسٌ
نَاهِيكَ بِالْجَيْشِ إِذْ يَحْدُوهُ معْتَقَدُ
يَقُصُّ مِنْ كَبِدِ النَّمسَا لِيَتْرُكَهَا
وَرَاءَهُ مَا بِهَا جِسْمٌ وَلاَ كَبِدٌ
حَتَّى إِذَا مَا دَهَى الألَمانَ صَبَّحهُمْ
وَمَلْكُهُمْ بَعْدَ تَوْحِيدِ الْقُوَى بَدَدُ
نَصْراً لأَعْوَانِهِ الصَّرْبِ الأُولى خَلَبوا
نُهَى الرِّجَالِ بِمَا أَبْلَوْا وَمَا جَهَدُوا
وَالْعِصْبَةِ الْجَبَلِيِّينَ الَّذِينَ أَرَوْا
كَيْفَ انْتِقَامَ أَبِيٍّ وَهْوَ مضْطَهَدُ
وِلْهِلمُ يَا مَنْ رَمَى طَيْشاً بِأُمَّتهِ
مَرْمَى الْفَنَاءِ وَبِئْسَ الْحَوْضُ مَا تَرِدُ
تمْضِي اللَّيَالِي وَيَدْنُو يَوْمُ صَرْعَتِكم
بِمَا فَسَدْتَ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فَسَدُوا
هُدُّوا الكَنَائِسَ دُكُّوا الْجَامِعَاتِ قِلىً
أَفْنُوا النَّفائِسَ لاَ تُبْقُوا وَتَقْتَصِدُوا
ذُودُوا المَرَاحِمَ وَاقْسُوا جُهْدَ فِطْرَتِكمْ
وَإِنْ تَفُتْكُمْ فُنُونٌ مِنْ أَذىً فَجِدُوا
وَلْيَهْنِكُمْ كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ بَثُّ أَسَى
وَنَدْبُ مَيْتٍ وَقَلْبٌ شَفَّه الكَمَدُ
وَكُلُّ رَوْضٍ ذَوَتْ فِيه نَضَارَتُهُ
وَنَاحَ بَعْدَ غِنَاءٍ طَيْرُهُ الْغَرِدُ
غَداً يُؤَدِّي حِسَاب لا رِوَاغ بِهِ
مِنْ شَرِّ مَا يَقْتَنِي للظَّالِمِينَ غَدُ
قِصَاصُ حَقٍّ لِجَانٍ مِنْ مَطَامِعِهِ
طَغَى عَلَى الْعَالَمِينَ الْبُؤْسُ وَالنَّكدُ
مشَى لِيَفْتَتِحَ الدُّنْيَا بِهِ حَرَدٌ
بِلاَ اكْتِرَاثٍ لِمَغْضُوبٍ بِهِ حَرَدُ
يَعْلُوهُ مِنْ كِسَرِ التَّيجَانِ تَاجُ مُنىً
ضَخْمُ الصِّياغَةِ مِمَّا لاَ تُجِيدُ يَدُ
فَمَا خَطَا خُطْوَةً حَتَّى كَبَا فَإِذَا
بَيْنَ الرُّكَامِ الدَّوَامِي تَاجُهُ قِدَدُ
بَنِي الشَّآمِ أَعَزَّ اللهُ مَعْشَرَكُمْ
فَكَمْ لَكُمْ هِمَّة مَحْمودَةٌ وَيَدُ
رَعَيْتُمُ لِبَنِي مِصْرَ قَرَابَتَهُمْ
كَمَا عَطَفْتُمْ عَلَى الجَرْحَى وَإِنْ بَعدُوا
حَيَّاكُمُ اللهُ مِنْ قَوْمٍ أُولِي كَرَمٍ
لَمْ يَبْرَحُوا فِي المَعَالِي عِنْدَ مَا عَهِدوا
لمْ يَغْلُ مَنْ قالَ فِيكُمْ إِنَّكمْ أُسُدٌ
تِلْكَ الْفَعَائِلُ لِمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُ
أَلْبِرْتُ يَا مَالِكاً أَبْدَتْ فَضَائِلُهُ
أَنَّى تُصَانُ الْعُلَى وَالعِرْضُ وَالْبَلَدُ
كَذَا الْوَدَاعَةُ فِي أَبْهَى مَظَاهِرِهَا
كَذَا الشَّجاعَةُ وَالإِقْدَامُ وَالصَّيدُ
نَصَرْتَ شَعْيَكَ فِي الْحَرْبِ الضَّروسِ وَلَ
مْ تًخْطِئْهُ حِينَ اسْتَتَبَّ السَّلْم مِنْكَ يَدُ
فِي كُلِّ شَأْنٍ ترَقِّيهِ وَتَعْضُدُهُ
رَأْياً وَسَعْياً فَأَنْتَ الرَّأْسُ وَالْعَضُدُ
وَلِلْمقِيمِينَ حَظُّ النَّازحِينَ فَهُمْ
بَنُوكَ إِنْ قَرُبُوا دَاراً وَإِنْ بَعدوا
عَيْنُ الْعِنَايَةِ يَقْظَى فِي كِلاَءَتِهِمْ
بِعَيْنِ ذَاكَ الَّذِي فِي ظِلِّهِ سعِدوا
وَزَادَ غِبْطَتَهُمْ بِالْعَيْشِ أَنَّ لَهُمْ
مَلِيكَةً أَوْرَدَتْهُمْ صَفْوَ مَا تَرِدُ
لَيْسَتْ بأَكْبَرِهِمْ سِنّاً وَمَا بِرِحَتْ
أُمّاً رَؤوماً تُوَاسِيهِمْ وَتَفْتَقِدُ
وَهذَّبَتْ بِقَوْيِمِ السَّيرِ نِسْوَتَهُمْ
فَمَا بِهِنَّ وَقَدْ جَارَيْنَهَا أَوَدُ
شَفَّت زَوَاهِي حَلاَهَا عَنْ خَلاَئِقِهَا
يَزِينُهُنَّ سُمُوُّ الرَّأْيِ وَالسَّدَدُ
يَا أَيُّها المَلِكَانِ المُحْتَفِي بِهِمَا
عَزِيزُ مِصْرٍ وَقَوْمٌ حَوْلَهُ مُجُدُ
مِن بُكْرَةِ الدَّهْرِ بِالمَعْروفِ قَدْ عُرِفُوَا
وَعَهْدُهُمْ فِي وَفَاءِ الْفَضْلِ مَا عُهِدُوا
رَأَيْتُمَا مِنْ سرورٍ ظَاهِرٍ بِكُمَا
مِثَالَ مَا أَضْمَرُوا وُدّاً وَمَا اعْتَقَدوا
هَذَا الرَّبِيعُ أَتَتْ وَفْقاً بَشَائِرُهُ
بِمَا تَقَرُّ بِهِ الأبْصَارُ إِذْ يَفِدُ
أَهْدَى شَذَاه وَأَبْدَى لُطْفَ زِينَتِهِ
وَأَحْسَنَ الْحَمْدُ فِيهِ الطَّائِرُ الْغَرِدُ
- Advertisement -