نسيب قد كان ساري الطيف أبدى لي

نَسيب قَد كانَ ساري الطَيفَ أَبدى لي

رُؤيا تَناهي بِها ذُعري وَإِجفالي

رَأَيتُ في دارِنا الأَفواجَ أَشبَهَ بِال

أَمواجِ ما بَينَ إِدبارٍ وَإِقبالِ

فَقُمتُ وَالبالُ مِنّي كاسِفٌ قَلِقاً

مُستَقبَلاً مِن حَياتي كُلَّ ذي بالِ

وَما مَضَت ساعَةٌ إِلّا أَذِنتَ بِها

مُصيبَةٌ حَقَّقَت خَوفي وَأَوجالي

غَدَت عَلَيَّ سَلوَكَ البَرقَ ناقِلَةً

نَبا يَقطَعُ أَسلاكي وَأَوصالي

تِلكَ التَعازي الَّتي الأُخوانُ تِبرِقِها

وَذي المَدامِعِ مِنها كُلَّ هَطّالِ

أَيقَنتُ حَقّاً بِأَنّي قَد فَقَدتُ أَخي

وَمَن أَرجى لِأَهوالي وَأَوهالي

أَيقَنتُ أَنَّكَ بَعدَ اليَومِ مُغتَرِبٌ

عَنّي وَلَستَ مُجيباً بَعدُ تَسآلي

شَعَرتُ إِذ ذاكَ أَن لا أَزرَ يَنهَضُ بي

وَأَنَّني رازِحٌ مِن تَحتِ أَثقالي

كَأَنَّني في فَلاةٍ لا أَنيسَ بِها

وَالأَرضُ صارَت جَميعاً رَبعَها الخالي

نَسيبُ غادَرَتني مِن بُعدِ بُعدِكَ في

عَيشٍ تَبَدَّلَ آلامي بِآمالي

لَكَ الخَلاصُ مِنَ الدارِ الَّتي طَبَعَت

عَلى الشَقاءِ وَلي حَزَني وَإِعوالي

قَد كُنتُ أَطمَعُ أَن أَلقاكَ والَهفي

وَلَو تَطاوَلَ بي حِلّي وَتِرحالي

حَتّى أَتاني نَباً قَد رَدَّ لي أَمَلي

واحَسرَتي أَمَلُ الظَمآنِ في الآلِ

لَم يَبقَ لي بَعدَ ذاكَ النَعِيِّ مِن أَمَلٍ

إِلّا بِدَمعٍ طَوالَ اللَيلِ سَيّالِ

أُبكيكَ في غَربَتي مُضني نَوىً وَتَوىً

بِالبُعدِ وَالمَوتِ فَاِنظُر أَيَّ إِذلالِ

هُم يَعرِفونَكَ مَن قَد كُنتَ مَعرِفَتي

فَما يُزكيكَ إِلّا شاهِدَ الحالِ

ما كُنتَ تَعدو وَلاتَبغي عَلى أَحَدٍ

وَلا تُغَيِّر عَلى عَرضٍ وَلا مالِ

وَلا ذَكَرتَ اِمرِءاً يَوماً بِمَنقَصَةٍ

يا أَبعَدَ الناسِ عَن قيلٍ وَعَن قالِ

لَم تَعرِفِ الكِبرَ في قضولٍ وَلا عَمَلٍ

كَلّا وَلا سَرَت يَوماً سَيرَ مُختالِ

فيكَ التَواضُعُ خَلَقَ لا تُكَلِّفهُ

وَأَنتَ تَلبِسُ مِنهُ ثَوبَ إِجلالِ

وَلَم تَكُن لِجَميعِ الناسِ مُتَّضِعاً

إِلّا عَلى ثِقَةٍ في النَفسِ وَالآلِ

لَكَ المَزايا الَّتي الأَقوامُ تَحسُدُها

وَما اِشتَعَلَت بِحُسّادٍ وَعُذّالِ

لَو كانَتِ الناسُ في الدُنيا نَظيرُكَ لَم تَحتَج

لَعَمري لِحُكّامٍ وَعُمّالِ

ما كُنتَ تَنشُدُ في الأَعمالِ مُحَمَّدَةً

وَلا تُبالي بِأَلقابٍ وَإبجالِ

بَل تِلكَ عاطِفَةُ النَفسِ الَّتي طَبَعَت

عَلى الجَميلِ لِغَيرِ الجاهِ وَالمالِ

وَكُنتُ في الشِعرِ فَذا لا يَشَقُّ لَهُ

أَدنى غُبارٍ وَتَعي نارُهُ الصالي

لَكَ القَوافي الَّتي أَعيَت نَظائِرَها

نَوابِغَ الشِعرِ أَهلَ الشيحِ وَالضالِ

كَم مِن شَرودٍ لَعَمري قَد جَرَّرتَ بِها

عَلى جَريرِ القَوافي فَضلَ أَذيالِ

لَها مِنَ الحَضَرِ الأَكياسِ رُقتَهُم

في لَفظِ بادِيَةٍ رَوّادِ أَطلالِ

أَدرَكتُ في اللُغَةِ العَرباءِ مَنزِلَةً

لَها عَلى كُلِّ فَحلٍ كُلِّ إِدلالِ

كَن يَدَّعي الشِعرَ قَومٌ لَو وَزَنَت بِهِم

هَدَرَت بَحراً وَساحوا سَيحَ أَوشالِ

قَد يَفقِدُ الناسَ حَقّاً في تَواضُعِهِم

وَيَحسَبُ الصَمتُ عِيّاً عِندَ جِهالِ

وَكَم مَجالٌ بِهِ بانَ السكيتُ عَلى

شَأوِ المَجلى وَبَذَّ العاطِلُ الحالي

يُعطيكَ حَقَّكَ دَهرٌ لَن تَضيعَ بِهِ

إِنَّ الحَقائِقَ فيهِ غَيرَ أَغفالِ

ما مَرَّ ذِكرُكَ في نادٍ وَحاضِرُهُ

لَم يَتبَعوكَ ثَناءً غَيرَ بُخّالِ

ذِكراكَ باقِيَةً في الناسِ سائِرَةً

كَم تَضوعُ عُرفَ المَندَلِ الغالي

إِن طالَما كانَتِ الأَحزانُ زائِلَةً

مَعَ الزَمانِ فَحَزَني غَيرَ زَيّالِ

جُرحٌ أَتى حينَ شَمَّسَ العُمرُ قَد دَلَفَت

إِلى الغُربِ وَدانَت بَينَ آجالِ

وَلَوعَةَ البَينِ لا تَنفِكَ تَسفَعُ في

قَلبي عَلى مَرِّ أَسحاري وَآصالي

يا غَربَ لُبنانَ أَلقِ السَمعَ وَاِبكِ عَلى

بُكا غَريبٍ بِأَقصى الغَربِ نَزّالِ

فَلَم يَعُد في اِندِمالِ الجُرحِ مِن أَمَلٍ

وَما بَقى مُهلَةً يَسلو بِها السالي