أتذكر من بغداد مقتبل العمر

أتذكرُ من بغدادَ مقتبلَ العمرِ

ومجداً ثوى بين الرصافة والجسرِ

وقوماً بها شادوا العروشَ فلم تدُم

وقد دام ما شادوه من طيب الذكرِ

أكارمٌ كانوا حُلية الشرق كله

فزالوا وأضحى منهم عاطلَ النحرِ

ومجلسَ هارون وقد ضاق رحبهُ

باهل الحجى من سادةِ النظمِ والنثرِ

مليكٌ يهابَ الشرقُ والغربُ بطشهُ

ويرهبُ أن يمضي النهار بلا برِ

تنازعُ سادات الورى بابُ دارهِ

ويجلسُ منها خادمُ العلمِ في الصدرِ

سلامٌ على بغدادِ من مدمن الفكرِ

بما كان فيها من علاءٍ ومن فخرِ

سلامٌ على تلك الحضارةِ إِنها

تعدُّ بذاك العصرِ من عجبِ الدهرِ

حياةٌ زهت في الشرقِ حيناً كأنها

حياةُ ورودٍ لا تدوم سوى فجرِ

ونورٌ تجلَّى منهُ والغربُ غارقٌ

من الجهلِ في أدجى ظلاماً من القبرِ

فسبحان من يجري القضاءُ بأَمرِه

يصرِّفُهُ من حال يسر إلى عسرِ

بني الشرق هل من ذلك النوم يقظةٌ

تُرجَّى وهل يجدي يتنبيهم شعري

أفيقوا بني أمي فقد طال ليلكُم

ولا تجعلوا إصباحكم موعد الحشرِ

أيجمعنا جنسٌ ولسنٌ وموطنٌ

ويفرِقنا وهمٌ تحكَّمَ في الفكرِ

أَأَرغبُ بالصينيّ ديناً وأَزدري

أخي وابن جنسي آهِ من ذلك الأَمرِ

أَفيقوا من الجهلِ الذي قد سكرتُم

به فالردى يا قومُ في ذلك السكرِ

ترابكمُ دينٌ لكم فاتِباعهُ

أحقُّ ومن أَزرى بذاك ففي كفرِ

نصيحةُ شرقيٍ يحبُّ بلادهُ

واخوانهُ لا دينَ زيدٍ ولا عمرو

هي النزرُ في الفؤادِ وانَّه

برغميَ اني الآن راضٍ بذا النَزرِ

وفي الصدرِ منهُ ما لوَاني أَقولهُ

لأَلهبَ قرطاسي وضاءَ بهِ حبري