غاد الندى بالجيزة الفيحاء

غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ

واحْدُ الصَّبُوحَ بِنَغْمَةِ الوَرْقَاءِ

والْمَحْ بِطَرْفِكَ ما وَحَتْهُ يَدُ الصَّبا

فَوْقَ الْغَدِيرِ تَجِدْ حُروفَ هِجاءِ

مِنْ كُلِّ حَرْفٍ فيهِ مَعْنَى صَبْوَةٍ

تَتْلُو بِهِ الوَرْقَاءُ لَحْنَ غِنَاءِ

مَيْدَانُ سَبْقٍ لِلْخَلاعَةِ أَشْرَقَتْ

فيهِ الْكُمَيْتُ بِغُرَّةٍ غَرَّاءِ

حَمْرَاءُ دارَ بها الْحَبابُ كأَنَّها

شَفَقٌ بَدَتْ فِيهِ نُجُومُ سَماءِ

هِيَ كالأَشِعَّةِ غَيْرَ أَنَّ ضِيَاءَها

مِنْ ذاتِها لا مِنْ ثُقُوبِ ضِياءِ

وإِذا رَجَعْتَ إِلى الْيَقِينِ فَإِنَّها

نارٌ تَحَلَّلَ جِسْمُها في ماءِ

تَجْرِي فَتَفْعَلُ بالْعُقُولِ كُؤُوسُها

ما تَفْعَلُ الأَلْحَاظُ بالأَحْشَاءِ

خَفِيَتْ عَلَى الأَحْقَابِ فَهِيَ ذَخِيرَةٌ

مِنْ عَهدِ آدَمَ أُودِعَتْ بِوِعاءِ

مَحَقَ الْفَنَاءُ وُجُودَها فَتَزَايَلَتْ

إِلاَّ نَسِيماً شَفَّ عَنْ حَوْباءِ

هِيَ جَمْرَةُ الفُرْسِ الَّتِي سَجَدَتْ لَهَا

أَملاكُها في سَالِفِ الآنَاءِ

فَانْهَضْ إِلَى شُرْبِ الصَّبُوحِ فَقَدْ بَدَا

شَيْبُ الصَّباحِ بِلِمَّةِ الظَّلْماءِ

وَتَرَنَّمَتْ في وَكْرِها سَحَرِيَّةٌ

تُغْنِي الْمَقَامَةَ عَنْ صَفِيرِ النَّاءِ

وَرْقاءُ تَسْجَعُ في سَماوَةِ أَيْكَةٍ

مَوْشِيَّةِ الْعَذَباتِ بِالأَنْدَاءِ

تَبْكِي الْهَدِيلَ وَما رَأَتْهُ فَيَا لَها

مِنْ ذُكْرَةٍ عَرَضَتْ بِغَيْرِ لِقاءِ

قَدْ أَشْبَهَتْنِي في الْهَوى لَكِنَّها

لَمْ تَحْكِني في لَوْعَتِي وَبُكائِي

مَالَ النَّسِيمُ بِهَا وَمَالَ بِيَ الأَسَى

شَتَّانَ بَيْنَ نَعِيمِها وَشَقائِي

أَنَا يَا حَمَامَةُ مِنْكِ أَعْلَمُ بِالْهَوى

فَدَعي الْحَنِينَ فَلَسْتِ مِنْ أَكْفائِي

إِنِّي امْرُؤٌ مَلَكَ الودادُ قِيَادَتِي

وَجَرَى عَلَى صِدْقِ الْعُهُودِ وَفائِي

لا أَسْتَرِيحُ إِلَى السُّلُوِّ وَلَوْ جَنَى

خِلِّي عَلَيَّ وَلا أَشِينُ وَلائِي

لا ذِمَّتِي رَهْنُ الْفِكَاكِ وَلا يَدِي

تُلْقِي أَزِمَّةَ عِفَّتِي وَحَبائِي

لَكِنَّنِي غَرَضٌ لأَسْهُمِ حاسِدٍ

وارِي الجَوانِحِ مِنْ لَهِيبِ عِدَائِي

مِنْ غَيْرِ ما ذَنْبٍ جَنَيْتُ وَإِنَّما

بُغْضُ الْفَضِيلَةِ شِيمَةُ الْجُهَلاءِ

تَعِست مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّها

شَرَقُ النُّفُوسِ وَمِحْنَةُ الْكُرَمَاءِ

أَنا في زَمانٍ غادِرٍ وَمَعَاشِرٍ

يَتَلَوَّنُونَ تَلَوُّنَ الْحِرْباءِ

أَعْداءُ غَيْبٍ لَيْسَ يَسْلَمُ صاحِبٌ

مِنْهُمْ وإِخْوَةُ مَحْضَرٍ وَرَخَاءِ

أَقْبِحْ بِهِمْ قَوْماً بَلَوْتُ إِخاءَهُمْ

فَبَلَوْتُ أَقْبَحَ ذِمَّةٍ وَإِخَاءِ

قَدْ أَصْبَحُوا للدَّهْرِ سُبَّةَ ناقِمٍ

فِي كُلِّ مَصْدَرِ مِحْنَةٍ وَبَلاءِ

وَأَشَدُّ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي دَهْرِهِ

فَقْدُ الْكِرَامِ وصُحْبَةُ اللُّؤَمَاءِ

شَقِيَ ابنُ آدَمَ في الزّمانِ بِعَقلِهِ

إِنَّ الْفَضِيلَةَ آفَةُ الْعُقَلاءِ