أين البيان عساي أشرح ما بي

أين البيان عساي أشرح ما بي

لك يا شهيد العلم والآدابِ

فوجئت يوم نعيت فيك بشاغل

عن كل مكروه وكل مصاب

وأثار أعصابي العليلة بعد ما

سكنت وحسبي علة الأعصاب

ولقد ذكرتك بعد نعيك مشفقاً

ذكر المحب لأفضل الأحباب

وبعثت بالنجوى إليك فلم تجب

وتكفل الناعي برد كتابي

حملته روعات عذرك بعد ما

سارت إليك سرائري بعتابي

ووفى بحقك راثياً لك من وفى

لِحجاك بالإكبار والإعجاب

جمع الرئيس عليك ليلة خطبِهِ

جزع الشيوخ عليك والنواب

لم تنسه آلامه من جرحه

آلامه في أبلغ الكتاب

أرزاء مصر كثيرة وأشدها

ما نابها في الفتية الأنجاب

هل أفقد الأحباب في ريعانهم

من بعد فقدي صحتي وشبابي

ويروعني في كل يوم ذاهب

لي لا يعود ومنذر بذهاب

تمضي ركائبهم ولست بمالك

غير الحنين وراء كل ركاب

ولقد عجبت من القضاء وما أنا

فيه بمشتبه ولا مرتاب

ليس المجاهد بالذي اقتحم الوغى

إن المجاهد فاتح الألباب

في ذمة الوادي مواهبك التي

فكت عقولاً قبل فك رقاب

وأجل من مستلحق لبلاده

مُلْكاً موفق قومه لصواب

وإذا مضى شعب إلى استقلاله

كانت طلائعه من الطلاب

ومبادئ الحر الوفيّ بعهده

أبقى من الأنساب والأحساب

وكرامة الإنسان بالإحسان لا

بثرائه وفخامة الألقاب

ولقد تقصيت الزمان وما أنا

فيه بجوّال ولا جوّاب

ووجدت فيه كل رحب مأزماً

ما دامت الأخلاق غير رحاب

ورأيت في ذل العبيد جماعة

وجماعة في عزة الأسباب

وفزعت من دنيا تأهب ناسها

للعيش بالأظفار والأنياب

وسئمت أياماً يمر مسيئها

ويفر جانيها بغير حساب

الحق فيها ضائع إن لم يكن

ذو الحق ربَّ صوارم وحراب

لا يأمن العدوان فيها والأذى

من ليس بالطعّان والضرّاب

علل الأنام وطالما عالجتها

متفانياً ورجعت بالأوصاب

وتركت ميدان الحياة زهادة

وسكنت منصرفاً إلى المحراب

أعيى الوجود الطامعين تملُّكاً

وقد احتوى ما في الوجود وطابي

لو كنت بين الحادثات مخيراً

لاخترت راحة أمتي وعذابي

أفدي منابع نيلها وفروعه

وأنا العليل ومن سواه شرابي

إن يحبسوه في مجاريه فما

هم حابسوه وهو فيض سحاب

أنا شيعة وحدي وحزب غير ما

في مصر من شيع ومن أحزاب

أمضي وراء عقيدتي وأجلها

من أن أداري شيعة وأحابي

غضبت على أبطال مصر جماعة

ليسوا على أعدائها بغضاب

يتعجلون المستحيل عليهم

ولوَ اَنَّهم كانوا أسود الغاب

في كل يوم خاسف بعشيرتي

أرضاً لمصر وقاذف بشهاب

وأشد من أهرامها إيمانهم

صبراً على الأقدار والأحقاب

في أخت مصر لأجل مصر عواصف

هاجت هوى الجارات والأتراب

هبت بوجدان الأبيِّ وبأسه

شماء تدفع قوة الغلاب

هل بعد ما التمس المودة ينثني

جهماً إلى سبل عليه صعاب

وسياسة الترغيب تتبعها ولم

يمض النهار سياسة الإرهاب

وبحجة قامت دعاوي الخصم أم

قامت بتمساح له وعقاب

لا يسلك الأسطول بادية ولو

طالت مواقفه على الأبواب

يا راحلاً ترك الحياة مخلداً

آثاره للقوم والأعقاب

سلب القضاء القوم عمرك بينما

يسترجعون غوالي الأسلاب

وتركت روحك في الصحائف جائلاً

وثويت تحت معالم وقباب

لك في الحمى الذكرى التي فيها الغنى

لك عن مكافأة وحسن ثواب

ذكرى تعيد إليه شخصك ماثلاً

وكفى به رجعى وحسن مآب

كل يمد إلى العلا أسبابها

والكاتبون أحق بالأسباب