ألقيت عبأك في مدى الميدان

ألقيت عبأك في مدى الميدانِ

وبلغت خير مقاصد الإنسانِ

وقضيت في الدنيا حياتك عاملاً

للذكر والعمر الطويل الثاني

ووفيت بالعهد الكريم لواثق

كان الوفاء له من الإيمان

حملتْ أمانة مصر دهراً ذمةٌ

لك عن قواعد مصر والأركان

أخفيتها حياً بقومك رحمة

وجعلت موتك موعد الإعلان

باحت بسرك وهو سر الدهر في

هذا المصير رسائل الإخوان

هل للحقيقة كل ما قالوا ولل

تاريخ أم لإثارة الأشجان

ذكروا برزئك رزء مصر وأهلها

في سيرة وكرامة وكيان

وتناقلوا عنك الحديث وهم على

آفاق مصر وأنت في الأكفان

كل يزكّي في المآزق صنعه

بدليله الماضي وبالبرهان

ولكل راوٍ عذره في واقع

ما كان بُدُّ منه في الإمكان

ذكرى تسوء وشر ما يؤذي الفتى

قلق الضمير وحيرة الوجدان

حانت محاسبة الرجال من الحمى

وكفى به من حاسبٍ ديّان

وتدافعت بالحاسبين ظنونهم

من كل ناحية وكل مكان

يتساءلون عن اليقين يريحهم

وأمامك الفئتان تحتكمان

ما خان مولاه الوزير وإنما

خانته أمس مودة الألمان

ملك مضى وأتى سواه موفقاً

لبلاده فهُما له سيان

إن لم يكن عم الأمير بديله

فمن الأحق بذلك السلطان

ما كان من ذهب الزمان بتاجه

هو وحده من فاقدي التيجان

إن الزمان وما رأينا قوة

للحق فيه هو الأثيم الجاني

هل كان يمتلك اختيار مصيره

مَن سخطه ورضاه يستويان

ولو استطعنا الأمر ما كنّا عدىً

للقوم من أهلٍ ومن جيران

تصليهم النيران أيدينا وفي

أكبادنا نجوى وطول حنان

لم ندر هل كانوا الغزاه لمصر أم

حُراسها وحماتها لأوان

أيّ الفريقين الوفيُّ بوعده

وكلاهما وعد بغير ضمان

ولطالما حرم الضعيف نصيبه

حول الغنائم أقدر الأقران

كانت غنيمتنا النجاة ولم يكن

طلب النجاة سجية الشجعان

وهم الذين يرون كل وثيقة

من خادع شراً من العدوان

ويرون مبذول العطاء إذا أتى

بمذلة أدهى من الحرمان

والمستعين على تناول حقه

بيدي سواه أحق بالخذلان

حملت حوادث أمس مصر وأين ما

صنع الرجال لحاضر الحدثان

وعلى شروطهم أصرَّ القوم أم

جاءوا بأمر ليس في الحسبان

وأناة مرتقب السوانح ما أرى

أم حيرة المتردد المتواني

إن كان ما أفضى غريمهمُ به

خيراً فما هي حكمة الكتمان

ولعله المطل الذي شاءت به

فينا السياسة عادة الكتمان

في مصر يطلب أهل مصر الحق أم

في لندن العظمى وفي لوزان

الأرض سائرة إلى الأمدين من

حرية قصوى ومن عمران

فممالك تهتز بعد سكونها

وممالك تعتز بعد هوان

قد كنت بالطوفان أول منذر

وأنا النذير بعودة الطوفان

أين الدعاة المخلصون لمصر في

كل الشعوب وسائر البلدان

يروون عن آمالها غير الذي

يرويه أهل الإفك والبهتان

لو كان ما أنا مرتجيه نافذاً

في الأرض كان لها ضمان أمان

وأقام كلٌّ في ظلال السلم لا

في عهدة الفولاذ والنيران

والدين في الدنيا المعاملة التي

هي كل ما يرجى من الأديان

يا صاحب الشورى وذا الرأي الذي

أغنى عن المقياس والميزان

ومجاهد الشرقية المثني على

آثاره الشرقان والغربان

شيخ العشيرة كنت أم شيخ الحمى

وابن البلاد أم الأب المتفاني

شقت على الدستور بعد قيامه

عنه نواك وأنت أول باني

وبكاك في نوابه وشيوخه

ورثاك في النبلاء والأعيان

وتفقد البطل الذي هو قدوة

للشيب صالحة وللشبان

يا تارك الوادي وقلبك مشفق

فيه على هذا الأسير العاني

ماذا بنفسك بعد ما فارقته

غير الذي قدمت من إحسان

أولى بها وقد اكتفت شغلاً به

أن تستريح إليه بعد الآن

أوليتني الود القديم فصنته

لك في الفؤاد فكان من أعواني

وأخذت من أولى صحائفك التي

للخير أول مبدئي وبياني

أنطقتني بعد السكوت ليالياً

حبست جناني قبل حبس لساني

مضنى كلانا في البلاد وما الضنى

أنساك واجبها ولا أنساني

وأجل من ملك النفوس رعاية

من قام بالمعروف والعرفان

الحق فوق الشيعتين أردته

غير الذي قدمت من قربان

هل لي مكان في السماء لعلني

ألقى رفاقي غير أهل زماني

وأفر من مستكبرين تجاهلوا

ذكري وعادوا ينكرون عياني

أعليّ يجني من إليه مودتي

ويزيد همي من به سلواني

أنا غاضب للشعب والوادي فمن

أرضاهما يوماً فقد أرضاني