كل حب مصيره اللذهاب

كل حبّ مصيره اللذّهاب

غير حبّ الشفيع يوم الحساب

ذاك حبّ مصيره لبقاء

وخلودٍ ونعمة وثواب

حبّ نبعِ الأسرار مشكاة نور

السحق مفتاح رحمة الوهّاب

كوكب المج في سماء الألوهية

قطب الحقيقة الجذّاب

موئِلُ المذنبين في موقف الهو

ل إذا ما تأذّنوا بالعذاب

كعبةُ القاصدين من كلّ فجٍّ

ما استقلّت دوّاءهٌ بسحاب

جاء كالصبح بعد ليل طويل

خائف مظلم الجوانح كاب

فأضاء العقول بالفيصل الص

دق من قوله الكريم الصواب

وهداه الحكيم ينبوعه الوح

ي وأخلاقه الفساح الرحاب

في ربيع الشهور جاء ربيعا

لنفوس طويلة الإجداب

من أب معرق النجار وأمّ

هي منه في عزّة الأحساب

كرما منبتاً فجدّهما الأع

لى الخليل المنعوت بالأواب

وابأهلي فداهما في الصبا الغضّ

بريئَينِ من أذىً أو معاب

لم يقيما في الأرض إلا قليلاً

إذ أقاما على نوىً واغتراب

أو يمتّع كلاهما بشباب

أفدح الخطب ميتةٌ في الشباب

لهف نفسي عليهما وعليه

حينما خلّفاه في الأتراب

خلّفاه لليتم والفقر والوحدة

طفل الأحلام والآراب

أتَيا الأرض كالسحاب إذا ما

وهب الخير وانثنى لغياب

كان سِراًّ باحابه ثم راحا

وهو ما زال آية الأحقاب

صلوات المدى عليه رضيعا

خشن المستراح غضّ الإهاب

تتحاماه أعين الظئر ممّا

شاع من فقره لدى الأعراب

لا أبوه حيّ ولا أمه الأي

مِ ذات اليسار والأنشاب

لا ولا جدّه وأعمامه

بعد بأحلاف ثروة واكتساب

وسلام عليه بعد سنين

مقفرات كوالح الأنياب

ما ت فيهم جده فتهاوى

صرح برد وانهد ركن اغتصاب

ومضى المصطفى لخير الرسالا

ت يبارى الحياة أيّ غلاب

يرتعى الشاء بالقليل من الأج

ر عفيف المنى طهور الثيار

قانع النفس مطمئن الحنايا

قدسي الرضا قرير الرغاب

يبلغ الهزل مسمعيه فيمضى

عن دواعي الهوى مضي الشهاب

ومن الهزل ما يميت وإن قي

ل بقصد السرور والإطراب

بأبي راعيا يطيف به الده

رُ غضيض العينين من إعجاب

ساكن الروح لا تطيش به البشرى

صبوراً على احتمال المصاب

بأبي خاطبا خديجة بالأخلا

ق غرّاء كالثنايا العذاب

لا بمال ولا بجاه فما الما

ل وما الجاه غير لمع سراب

ونجّيا للَه في غاره الأنور

والليل قاتم الجلباب

محييا سنّةَ الظلام بما يلهَ

مُ من نور قلبه المنساب

يشرق الكون باتبهالاته البي

ض ويهتز للدعاء المجاب

وحواليه أمة تعبد الصخ

ر وتوفى النذور للأنصاب

تئد البنت خشية العار فيهم

وهي في الإرث غير ذات نصاب

ويبيحون ما الضمائر تأبا

ه وعقل الغوِيِّ مثل اليباب

ويعيشون كالقطيع فبعض

الشاء راع وبعضها كالذئاب

كل خير مضيّعٌ في حماهم

كلّ حقّ مهدّدٌ باستلاب

ضرب الجهل حولهم بسياج

من شرور وحيرة واحتراب

أمّة أقفرت عقولاً وعيشا

فحماها في الأرض غير مهاب

وهو فيهم كليلة القدر في الده

ر وكالنور في الظلام الخابي

أمل الكون منذ كان وفي الغيب

وقبل الأكوان دون ارتياب

يفرد الحق بالعبادة والحب

حنينا للقادر الغلّاب

خاشعا والأمين يتلو عليه

في الحمى القدسي آي خير كتاب

قم فأنذر واصبر لحكم الإله

السحق رب العبيد والأرباب

إنما أنت شاهد وبشير

وسراج يهدي أولي الألباب

بأبي داعيا إلى الله فرداً

ثابت العزم كالرواسي الصلاب

لا يخاف الأذى ويؤذي فيعفو

ويجازى جفاءهم باقتراب

وينير القلوب بالقول والفعل

حيّ السؤال عف الجواب

ويحب المستضعفين ويعطى

عطفه للفقير دون حساب

يلتقى الكائديه باللين والحلم

وخفض الجناح والتحباب

همة أن يتم ما جاء للنا

س به من هداية متاب

فإذا تمّ للرسالة ما ير

جو فما دن ذاك محض خلاب

ويتمّ الهدى ويعلو صداه

ويعمّ الإسلام كلّ الرحاب

ويقول التاريخ هذا الذي جمّ

ل وجه الزمان بعد اكتئاب

فينير الوجود بعد ظلام

وتقرّ الحياة بعد اضطراب

ويعم السلام والحق والعد

ل وتمحى فوارق الأنساب

فبنو الأرض في الحقوق سواء

الرءوس الشمّاءُ كالأذناب

ليس لليعرُبيّ فضل على الأعج

م إلا بسعيه للمآب

وبغير التقوى العزيز ذليل

وبها العبد مستعزُّ الجناب

هكذا عاش سيد الخلق طرّا

والألى بعده من الأصحاب

عصموا دينهم وشادوا فسادوا

وأناروا الطريق للأعقاب

وخلفننا من بعدهم فهدمنا

ما أقاموا للمجد من أسباب

وافترقنا إلى طوائف لا تحف

ل إلا بالغنم والأسلاب

كل حزب بما لديهم قرير

يا لقومي من كثرة الأحزاب

داؤنا الداء والدواء لدينا

في هدى المصطفى ونور الكتاب

غير أنا بعنا الكرامة بالذلّ

فذقنا المصاب بعد المصاب

وإذا لم يراقب الله قوم

جعل الله سعيهم في تباب

إيه يا قلب والذنوب كبار

والنايا كثيرة الأسباب

ضاع عمري يا حسرتاه عليه

في فتوني وشقوتي واضطرابي

لم أقدم خيرا ولم أبغ وجه الله

فيما أنفقته من شبابي

ليس في صفحتي من الخير إلا

أملى في رعاية التواب

غافر الذنب قابل التوبة مولى ال

فضل كهف المحروب والمنتاب

ملهمى يوم لأرجاء رجائي

حين أعطى كما يشاء كتابي

أنا إن كنت قد أسأت فإني

بشرٌ أصل خلقه من تراب

ما اقترفت الذنوب إلّا لجهلي

ولحمقى وحيرتي واحتجابي

ولأني أطعت نفسي وعظّمت

أماني شيطانها الكذاب

ولقد عدت يا فؤاد فلا تأ

س على ما فقدته من طلاب

كل ما فاتنا متاع غرور

فاصنع الباقيات قبل الذهاب

ولنا في الشفيع أقوى رجاء

إن هوت كفّتي لفقر ثوابي

طف بواديه في خشوع وذلَ

وتمسّح بأطهر الأعتاب

قل لخير الأنام حبّك حسبي

يا مناط الآمال يوم المآب

بك أرجو مع الوسيلة قربى

من جناب أكرم به من جناب

كل من فيه أنبياءٌ ومختا

رون قدما من صفوة الأحباب

ويقيني بذى الجلال يقيني

فهو سبحانه العليم بما بي