أديت واجبك المقدس كاملا

أديتَ واجبكَ المقدَّسَ كاملاً

وتركتَ للأجيالِ ذكركَ شاغلا

مهلاً أبا الأحرار مهلاً إن تكن

أعمارُ مثلك كالشموسِ مراحلا

إنَّا بنى الأرضِ الذين شقاؤهم

باقٍ نودِّعُ فيكَ ظلاًّ راحلا

كنا نَفئُ إليكَ في آلامنا

ونرى رجاحَتكَ الملاذَ الكاملا

والآنَ واحتنا الفسيحةُ أصبحت

حُلماً وعانقت الفناءَ الهائلا

كَم كان خصمك خاذلاً ليقينه

وأبيتَ أن تلفىَ لخصمك خاذلا

ولكم أغثتَ من الكوارث جاحداً

وفككت مغلولاً فراحَ مُخاتلا

ولكم رددتَ من السهامِ مكافحاً

ولكم غَضضتَ عن العداءِ مُجاملا

وعُرفتَ في الحالينِ أكرمَ كَيسٍ

نسىَ الإساءةَ بل أقالَ الجاهلا

قد بحَّ صوتُك هادياً ومنادياً

أمماً بنكبتها تُطيعُ الهازلا

وإذا تيقَّظَ أى شعبٍ ببنها

ألفيته الأسرَ المسئَ الغافلا

يا ليتها في الرُّزءِ تدفن عجزَها

شمماً وتدفنُ ذلةً وسلاسلا

صورٌ تزاحمَ رسمها في عبرتَيِ

لما أتيتك راثياً ومُسائلا

يا ضيعةَ الإنسانِ في استعلائه

وكأنما بالمجدِ أصبحَ زائلا

ولقد بَحثتُ فما غَنمتُ حقيقةً

ودفنتُ آمالي وعشتُ الثَّاكلا

وسَخرتُ من علمي ومن أدبي معاً

وأبيتُ أن أُدعى الحكيمَ العاقلا

وظللتُ يقذفني الخضم بموجهِ

من بعدِ ما أبصرتُ فيك الساحلا

ولو ان إنشادى الدماءُ لشاعرٍ

حملَ الجراح ولم يزل مُتفائلا

أبداً يصارعُ عقلهُ وجدَنهُ

ويَرىَ الوجودَ مآسياً ومهازلا

ويرى مماتَ النابهينَ جريمةً

مهما تُسَّوغَ والقضاءَ القاتلا

أرقد صديقي في خلودك وَحدهُ

إن لم نَجد نحنُ الخلودَ الشاملا

أرقد فحسبك ما حَملت من الأذَى

وداع الممات يُميتُ داءكَ عاجلا

فلقد خلقتَ بما صنعتَ مآثراً

ملءَ البيانِ خوالداً وحوافلا

لو يعرف الطِّبُ الصَّناعُ وسيلةً

لأعَادَ صوتك بالمواعظِ حافلا

أو يَعلمُ الجراحُ أىَّ يتيمةٍ

قُطعت لدامَ من الفجيعةِ ذاهلا

عانى وعالجَ والمماتُ مرفرف يقظ

يُخيِّبُ آسياً أو حائلا

لبنانُ لم يبرح بذكرك شامخاً

ويظل معتزاً بفكركَ طائلا

جَبلٌ من الفكرِ الأصيلِ جيوشه

زحفت بمثلكَ كالغزاةِ جحافلا

إن تنسكَ الدنيا ولن تنسى فقد

أحيالكَ الأرزَ الوضئَ مشاعلا

أهلَ الهدى صُونوا تُراثا للهدَى

فخماً وذودوا عن عُلاَها الباطلا

عاشت لكم ذُخراً ومجداً صائلا

فابنوا لها ذُخراً ومجداً صائلا

وإذا مضى علمٌ فأحيوا ذكرهُ

علماً تناسخَ نورهُ متواصِلا