النكران أو ما قاله البحر

يقولُ البحْرُ للبحّارِ: خُذنيْ

سَئمتُ العيْشَ في مَدٍّ وجَزْرِ

حَملتُ النَّاسَ لمْ أعبَأْ بآتٍ

ولا غادٍ ولا أسْلمتُ أمريْ

إلى الجودِيِّ سُقْتُ الفُلْكَ أمْرًا

بموجٍ كالجبالِ وكنْتُ أَجْريْ

فأقلَعت السَّماءُ، وذلَّلتْنيْ

شُقوقُ الأرضِ ما استوْفيتُ أجْريْ

و«موسى» الطفلُ في سَلٍّ سَريرٍ

لأمٍّ ألقَت السَّلوَى بذعْرِ

رَددْتُ صَغيرَها ما ابْتَلَّ صَدْرًا

ولمّا اشتدَّ عُودًا شَقَّ صَدريْ!

وَسِعْتُ الماءَ… ما قالتْ غُيومٌ

وما هَمَستْ بهِ عينٌ لنهرِ

وما استرقَ الغَديرُ من النَّدامى

وما ذَرَفتْ عيونٌ يومَ هَجْرِ

هُمُ العُشّاقُ مُذْ كانوا حَمَامًا

وهذا الماءُ مسكوبٌ لطيريْ

تمادَوْا في الجهاتِ وَهُمْ حَيارَى

وراحوا بعدَ هَدْيٍ نحوَ بَرِّ!

كأنَّ الرمْلَ مِفتاحٌ لعُسْرٍ

وموجُ اليَمِّ أقفالٌ لِيُسْرِ

فلا تأبهْ بمن عَبروا وساروا

على دُسُرٍ بألواحٍ وخِدْرِ

أقمْتُ العُمْرَ في حِلٍّ ثَقيلٍ

وكمْ عَبَروا خِفافًا تحتَ جِسريْ!

أنا البَحرُ المسافرُ في مَكاني

وصحنُ الأرضِ مِتراسٌ لِقبْريْ

وَهبْتُ العَذْبَ مِنْ مائي شَرابًا

وألبسْتُ العَذارى حُلْوَ دُرّيْ

يُنازِعُني المهاجِرُ قُوتَ جَوْفي

بمجدافٍ وطعْنٍ فوقَ ظَهريْ

وإنْ أطبقْتُ فكَّ الماءِ غِلًّا

تَشبَّثَ كالقلادةِ فَوقَ نَحْرِ

حَفظْتُ السِرَّ في قاعٍ بَعيدٍ

فهلْ حَفِظَتْ حُفاةُ البرِّ سِرّيْ؟

فَقُلْ للعابرينَ: ألا فمرُّوا

مَطايا نحنُ، والأقدارُ عُذْريْ

تغادرُني النَّوارسُ مثلَ إنْسٍ

تَعلَّلني، وولّى دونَ ذِكْريْ