لك الخير قد أوفى بعهدك خيران

لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ

وبُشراكَ قَدْ آواكَ عِزٌّ وسُلطانُ

هو النُّجْحُ لا يُدْعى إِلَى الصُّبح شاهِدٌ

هو النور لا يُبغى عَلَى الشَّمْسِ بُرْهَانُ

إِليكَ شَحَنَّا الفُلكَ تَهْوي كَأَنَّها

وَقَدْ ذُعِرَتْ عن مَغْرِبِ الشَّمْسِ غِرْبانُ

عَلى لُجَجٍ خُضْرٍ إذَا هَبَّتِ الصَّبا

ترامى بنا فِيهَا ثَبيرٌ وثَهْلانُ

مَوائِلَ تَرْعى فِي ذُراها مَوَائِلاً

كما عُبدَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوْثَانُ

وفِي طَيِّ أَسْمَالِ الغَرِيبِ غَرَائِبٌ

سَكَنَّ شَغافَ القلبِ شيبٌ وَوِلْدانُ

يُرَدِّدْنَ فِي الأَحشاءِ حَزَّ مصائِبٍ

تزيدُ ظَلاماً لَيْلَها وَهْيَ نِيرانُ

إِذا غِيضَ ماءُ البَحرِ منها مَدَدْنَهُ

بِدَمْعِ عيونٍ يَمْتَرِيهنَّ أَشْجَانُ

وإِنْ سَكَنَتْ عنَّا الرياحُ جرى بنا

زَفيرٌ إِلَى ذِكْرِ الأَحِبَّةِ حنَّانُ

يقُلْنَ ومَوْج البحْرِ والهَمِّ والدُّجى

تموجُ بنا فِيهَا عُيونٌ وآذانُ

ألا هَلْ إِلَى الدُّنيا مَعادٌ وهلْ لَنا

سِوى البحْرِ قَبْرٌ أَوْ سِوى الماءِ أَكْفانُ

وهَبنا رأينا مَعْلَمَ الأَرْضِ هلْ لنا

مِن الأَرْضِ مأْوىً أَوْ من الإِنسِ عِرْفانُ

وصَرْفُ الرَّدى من دونِ أَدْنَى منازِلٍ

تَباهى إِلينا بالسُّرورِ وتَزدانُ

تَقَسَّمَهُنَّ السيفُ والحَيفُ والبِلى

وشَطَّتْ بنا عنها عصورٌ وأَزْمانُ

كما اقْتَسَمَتْ أَخْدانَهُنَّ يدُ النَّوى

فَهُمْ للرَّدى والبَرِّ والبحرِ أَخْدانُ

ظعائِنُ عُمْرانُ المعاهِدِ مُقفِرٌ

بهنَّ وقَفْرُ الأَرْضِ منهُنَّ عُمْرانُ

هَوَتْ أُمُّهُمْ مَاذَا هَوَتْ بِرِحالِهمْ

إِلَى نازِحِ الآفاقِ سُفْنٌ وأَظْعَانُ

كوَاكِبُ إِلّا أنَّ أفلاكَ سَيْرها

زمامٌ ورَحْلٌ أَوْ شِرَاعٌ وسُكَّانُ

فَإِنْ غَرَّبَتْ أرض المغاربِ مَوئِلي

وأَنْكَرَنِي فِيهَا خَليطٌ وخِلّانُ

فكَمْ رَحَّبَتْ أَرْضُ العِراقِ بمقدمي

وأَجْزَلَتِ البُشْرى عَليَّ خُراسانُ

وإِنَّ بلاداً أَخرجَتنِي لَعُطَّلٌ

وإِنَّ زَماناً خان عَهدي لَخَوَّانُ

سَلامٌ عَلَى الإِخوانِ تَسليمَ آيسٍ

وسُقياً لِدَهْرٍ كَانَ لِي فِيهِ إِخْوانُ

ولا عَرَّفَتْ بي خَلَّةً دارُ خُلَّةٍ

عَفا رَسمَها منها جفاءٌ ونِسيانُ

وَغَرَّتْ ببَرْقِ المُزْنِ من ذكْرِ صَفقِهِ

ومن ذكْر رَبٍّ كُلَّ يَومٍ لَهُ شانُ

ويا رُبَّ يومٍ بانَ صدْعُ سلامِهِ

بصَدْعِ النَّوى أَفْلاذُ قَلْبيَ إِذْ بانوا

نُوَدِّعُهُمْ شَجْواً بشَجوٍ كَمِثلِما

أَجابت حفيفَ السَّهْمِ عوْجاءُ مِرْنانُ

ويَصْدَعُ مَا ضَمَّ الوَدَاعُ تفرُّقٌ

كما انشَعَبَتْ تَحْتَ العواصِفِ أَغصانُ

إِذا شَرَّقَ الحادي بِهِمْ غَرَّبَتْ بنا

نوىً يوْمُها يومانِ والحِينُ أَحيانُ

فلا مُؤْنِسٌ إِلّا شهيقٌ وزَفْرةٌ

ولا مُسعِدٌ إِلّا دُموعٌ وأَجفانُ

وما كَانَ ذَاكَ البَيْنُ بَيْنَ أَحِبَّةٍ

ولكنْ قلوبٌ فارَقَتْهُنَّ أَبدَانُ

فيا عَجَباً للصَّبرِ مِنَّا كَأَنَّنَا

لهمْ غَيرُ مَن كنَّا وهم غَيرُ من كانوا

قَضى عَيشُهُمْ بَعْدِي وعيشيَ بَعْدَهُمْ

بأَنِّيَ قَدْ خُنتُ الوَفاءَ وَقَدْ خانُوا

وأَفجِع بمنْ آوى صَفيحٌ وَجَلْمَدٌ

وَوَارَتْ رِمالٌ بالفَلاةِ وكُثْبانُ

وُجوهٌ تَنَاءَتْ فِي البِلادِ قُبورُها

وإِنَّهُمُ فِي القلْبِ مِنِّي لَسُكَّانُ

وَمَا بَلِيَتْ فِي التُّرْبِ إِلّا تَجدَّدَتْ

عَلَيْها مِنَ القَلْبِ المُفَجَّع أَحْزانُ

هُمُ اسْتَخْلَفُوا الأَحبابَ أَمْوَاجَ لُجَّةٍ

هِيَ المَوْتُ أَوْ فِي المَوْتِ عَنْهُنَّ سُلْوَانُ

بَقايا نُفُوسٍ منْ بَقِيَّةِ أَنْفُسٍ

يُمِيتونَ أَحْزانِي فدينوا بما دَانُوا

أَقُولُ لَهُمْ صَبْراً لَكُمْ أَوْ عَلَيْكُمُ

عَسى العيشُ مَحمودٌ أَوِ المَوْتُ عَجلانُ

وَلا قَنَطٌ واليُسرُ لِلعُسرِ غالِبٌ

وَفِي العرْشِ رَبٌّ بالخَلائِقِ رَحْمانُ

ولا يَأْسَ مِنْ رَوْحٍ وَفِي اللهِ مَطمَعٌ

وَلا بُعدَ مِن خَيْر وَفِي الأَرْض خَيْرانُ

سَتَنْسَوْنَ أَهوالَ العذَابِ ومالِكاً

إذَا ضَمَّكُمْ فِي جَنَّةِ الفَوْزِ رِضْوَانُ

مَتى تَلحَظُوا قَصْرَ المَرِيَّةِ تظفرُوا

بِبَحْرٍ حَصى يُمناهُ دُرٌّ ومَرْجَانُ

وتَسْتَبْدِلُوا مِن مَوْجِ بَحْرٍ شَجاكُمُ

ببحْرٍ لَكمْ مِنهُ لُجَيْنٌ وعِقْيانُ

فَتىً سَيفُهُ لِلدِّينِ أَمْنٌ وإِيمانُ

ويُمناهُ لِلآمالِ رَوْحٌ ورَيْحَانُ

تَقلَّدَ سَيفَ اللهِ فينا بحَقِّهِ

فَبَرَّتْ عُهودٌ بالوفاءِ وَأَيْمَانُ

وحَلَّى بتاجِ العِزِّ مَفرِقَ مُخبتٍ

يُقَلِّبُهُ داعٍ إِلَى اللهِ دَيَّانُ

وبالخيْرِ فَتَّاحٌ وبالخَيْرِ عائدٌ

وبالخَيْلِ ظَعَّانٌ ولِلخَيلِ طَعَّانُ

فقُضَّتْ سُيوفٌ حارَبَتْهُ وأَيْمنٌ

وشاهَتْ وُجُوهٌ فاخَرَتْهُ وتيجانُ

لَهُ الكَرَّةُ الغَرَّاءُ عنْ كُلِّ شَارِدٍ

أَضَاءَتْ لَهُمْ منها دِيارٌ وأَوْطَانُ

وَرَدَّ بِهَا يَوْمَ اللِّقاء زِنانَةً

كما انْقَلَبَتْ يَومَ الهَباءةِ ذُبيانُ

بِكُلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ يسوقُهُ

لحرِّ الوَغى قَلبٌ عَلَى الدِّينِ حَرَّانُ

حُلُيُّهُمُ بيضُ الصَّوارِمِ والْقنا

لَهَا وحُلاها سابغاتٌ وأَبْدَانُ

تَراءاكَ حزْبُ البغْي منهُم فأَقبَلوا

وَفِي كُلِّ أَنْف للغِوَايَةِ شَيطانُ

فأَيُّ صُقورٍ قَلَّبَتْ أَيَّ أَعْيُنٍ

إِلَى أَيِّ لَيثٍ ردَّهَا وَهْيَ خِلْدَانُ

عُيوناً بِهَا كادُوا الهُدى فَفَقَأْتَها

فَهمْ فِي شِعابِ الغيِّ والرُّشْدِ عُمْيانُ

وَمَا لَهُمُ فِي ظُلمَةٍ بَعدُ كَوكَبٌ

وَمَا لَهُمْ فِي مُقْلَةٍ بَعدُ إِنسانُ

يَضيقُ بِهِمْ رَحْبُ القُصورُ وَوُدُّهُمُ

لَوِ احتازَهُم عَنها كُهوفٌ وغِيرانُ

وأَنْسَيْتَهمْ حَمْلَ القنا فَسِلاحُهمُ

عَلَيْكَ إذَا لاقَوْكَ ذُلٌّ وإِذْعانُ

وأَنَّى لِفَلّ القِبطِ فِي مِصْرَ مَوْئلٌ

وَقَدْ غِيلَ فِرْعَونٌ وأُهْلِكَ هامانُ

فَيا ذُلَّ أَعلامِ الهُدى يَوْمَ عِزِّهِمْ

ويا عِزَّ أَعْلامِ الهُدى بِكَ إِذْ هانُوا

حَفَرْتَ لَهُمْ فِي يَوْمِ قَبْرَةَ بالقَنا

قُبوراً هَواءُ الجَوِّ مِنهنَّ ملآنُ

يَطيرُ بِهَا هامٌ ونسْرٌ وناعِبٌ

ويعدُو بِهَا ذيبٌ وذيخٌ وسِرْحانُ

فلَوْ شَهدَ الأَملاكُ يَومَكَ فِيهِمُ

لألقى إِليكَ التَّاجَ كِسْرى وخَاقانُ

ولَوْ رُدَّ فِي المنصور روحُ حياتِهِ

غداةَ لقيتَ الموتَ والموتُ عُرْيانُ

وَنادَيْتَ لِلهَيجَاءِ أَبناءَ مُلْكِهِ

فَلَبَّاكَ آسادٌ عَبيدٌ وفتيانُ

جبالٌ إذَا أَرْسَيْتَها حَوْمَةَ الوَغى

وإِنْ تَدْعُهُمْ يوماً إِليكَ فعقبانُ

يقودُهُمُ داعٍ إِلَى الحقِّ مُجْلبٌ

عَلَى البغي يُرضي ربَّه وهو غضبانُ

كَتائبُ بلْ كتبٌ بنَصْرِكَ سُطِّرَتْ

وَوَجْهُكَ باسمِ اللهِ والسَّيفُ عُنوانُ

هو السَّيفُ لا يَرْتَابُ أَنَّكَ سَيفُهُ

إذَا نازَلَ الأَقرَانَ فِي الحَرْبِ أَقرَانُ

كَأَنَّ العِدى لَمَّا اصْطَلَوا حرَّ نارِهِ

أَصابَ هواديهمْ مِنَ الجَوِّ حُسبانُ

وأَسمَرُ يسرِي فِي بحارٍ من النَّدى

بيُمناكَ لكنْ يَغْتدي وهوَ ظَمْآنُ

تَلألأَ نوراً من سناكَ سِنانُهُ

وَقَدْ دَعَتِ الفُرْسَانَ لِلحَرْبِ فُرْسانُ

لَحَيَّاكَ من أَحْيَيْتَ منهُ شمائلاً

يموتُ بِهَا فِي الأَرْضِ ظُلْمٌ وعُدوَانُ

وناجاكَ إِسرَاراً وناداكَ مُعلناً

وَحسبُ العُلى مِنه سِرَارٌ وإِعلانُ

أَلا هكذا فَلْيَحْفَظِ العَهْدَ حافِظٌ

أَلا هكذا فَلْيَخْلُفِ المُلكَ سُلْطَانُ

فَلِلَّهِ مَاذَا أَنْجَبَتْ منكَ عامِرٌ

وللهِ مَاذَا ناسَبتْ مِنكَ قَحطانُ

وللهِ مِنَّا أَهلَ بَيتٍ رَمَتْهُمُ

إِلَى يَدِكَ العُليا بُحورٌ وبُلدانُ

وكلَّهُمْ يُزْهى عَلَى الشَّمْسِ فِي الضُّحى

وبَدرِ الدَّياجِي أَنَّهم لَكَ جيرانُ

وَقَدْ زَادَ أَبناءُ السَّبيلِ وَسِيلَةً

وحَلُّوا فَزَادُوا أَنَّهم لَكَ ضِيفانُ

فما قَصَّرَتْ بي عن عُلاكَ شفاعَةٌ

ولا بِكَ عن مِثلي جَزَاءٌ وإَِحسانُ