نفارق بغدادا فلا نتأسف

نُفارقُ بغداداً فَلا نتأسَّفُ

بأيّ مُقيمٍ بَعدَنا تتشرَّفُ

رحَلنا وأكبادُ المَعالي قريحةٌ

علينا وأجفانُ المكارمِ تَذرفُ

ولاحَتْ لِصَحبي بالغُميمِ غَمامةٌ

من النّقعِ تَدنو تارةً وتَخلَّفُ

فقلتُ لهم أمّا هُذَيمٌ إليكم

وأمّا جِبالُ الجاسميّةِ تزْحَفُ

تَمادوا وأنتم في ظُهورِ جِيادِكُم

فإني بأولادِ الخَبائثِ أعْرَفُ

رميتُ بنفسي في صُدورِ رِماحِهِم

فكدتُ بأطرافِ الأسنّةِ أُخْطَفُ

تَداولُني أسيافُهم وهي رُعَّفُ

وتَنهبُني أرماحُهم وهي وُكَّفُ

إذا ما تَساقينا المنيةَ في القَنا

أقولُ لرُمحي غالَ صدرَك مُرهَفُ

أتَطلُبُ منّي قلبَ كلِّ مُدَجَّجٍ

وقد كنتَ من قلبِ المُدجّجِ تأنَفُ

وناشدَني فيهم سُويدُ بنُ مالكٍ

فقلتُ صَهٍ ما عَرّقَتْ فيكَ خِنْدِفُ

فإني خَشيتُ الضيمَ خشيتَك الرّدى

ولو كنتَ ضَيماً خيفتي تَتخوَّفُ

كررتُ وبيضُ الهندِ في البَيْضِ تَنثَني

وسمرُ العَوالي في الدروعِ تَقَصَّفُ

وتُنصِفُنا من كلِّ حيٍّ سُيوفُنا

ولكنّها من دهرِنا ليس تُنصِفُ

ولو كان شخصاً يستبينُ لناظرٍ

لأسلفتَه الضيمَ الذي تتسلَّفُ

تركتُ بني حمدانَ والدهرُ عَبدُهُم

وجئتُ عبيدَ الأزدِ لا أتوقَّفُ

أكررُ طَرفي في جَهامِ غَمامهم

وأصرفُه عن بارِقٍ ليس يَخلُفُ

دَعي عنكَ ذمّ الدّهرِ فيَّ وفيهِمُ

فَعيني بعيني يا بنةَ القومِ تُطرَفُ

وقالوا بِحارُ الأرضِ يُنزَفُ ماؤها

وبحرُ نَداهُم في الوَرى ليس يَنزِفُ

وليس الفتى من راحَ في الجودِ مُسرفاً

ولم يعرِفِ الشيءَ الذي فيهِ يُسرِفُ

سريعاً إلى ما ليس يَلزَمُ مجدَه

ومن خلفهِحقٌّ يَصيحُ ويَهتِفُ

طلَبتُ دنانيرَ الرِّجالِ فخلتُها

لأفكارِهم عرفانها ليس تُعرَفُ

وحاولتُها من صخرةٍ فأخذْتُها

كأنّ الغِنى من يابسِ الصّخْرِ يُقطَفُ