لا تلمني فلات حين ملام

لا تلُمني فلاتَ حينَ ملامِ

أخرسَ الوجدُ ألسنَ الأقلامِ

طالما أسمحت بناتُ القوافي

فلأمرٍ منيتُ بالإفحامِ

ماتَ من جاءَ سابقاً حين صلى

آخر الناس وهو أيُّ إمام

عظمتْ همة المنايا وقد طالـ

ـتْ إليه وجلَّ قدر الحمام

ورمتْ يومَ فقده مُصمياتٍ

من يُرامي من دونها ويحامي

ظفرت كفُّها من الأصفها

ني عشياً بأوفر الأقسامِ

بابن سود الوغى من النقع والنـ

ـنقس وبيض السيوفِ والأعلامِ

فارس المنبر المخوف وذي القولة

فصلاً في الحفل يوم الخصامِ

صاحب النثرِ أعجزَ الناسَ والنظـ

ـمِ حكته لآليٌ في نظامِ

ضاع حتى كادت تناشدَهُ العيسُ

ويشدو به الدجى والموامي

فإذا أترب السطورَ فللهِ

صفوفٌ تسيرُ تحتَ قتامِ

حمدتْ من محمدٍ عارفاتٌ

ذمَّ من بعدها سماحُ الغمامِ

حافظُ الحزم والزمانُ مضيعٌ

يقظ العزم في منام الأنامِ

كم بكاء للوفر أسرف فيهِ

تحت بشرٍ من وجههِ وابتسامِ

وحديثٍ عن جودهِ المحض بالجا

هِ على الوافدين والإكرامِ

رقصتْ عند الغصون خفيفاً

وثقيلاً على غناءِ الحمامِ

فهو عبدُ الأعراض والمال وللوفـ

ـدِ وحرُّ الأعراض من كل ذامِ

رتعوا من ثنائه بشميمٍ

حين لاذوا من حكمهِ بشمامِ

والذي يبعث البكاءَ وإن كا

ن خليقاً بكل دمعٍ سجامِ

نسبُ الود والفضيلةِ والجا

هلِ يبكي شوابكَ الأرحامِ

مات مني ملك الملوك فواحزني

ومن بعدهُ أميرُ الكلامِ

ملكٌ ليس عرضهُ بحلالٍ

لا ولا بيت مالهِ بحرامِ

ما تحاماه حتفهُ لجلالٍ

وهو حامٍ أبناءَ سامٍ وحامِ

فلهذا يسودُّ في الصحف النقسُ ومن

ذا يخمُّ خدَّ الحسامِ

طال عمر الدجى فلا صبحَ مُذ

كورَ شمسُ الضحى وبدرُ التمامِ

سبباً لوعةٍ وأصلاً ولوعٍ

ودفينا بثٍ وبرْحا غرامِ

هتكتْ جنةَ التصبُّر ما

خامر قلبي من نافذات السهامِ

كل يومٍ نعتمى تشاب ببؤسي

وبناءٌ نشيده لانهدامِ

ووثوق بعروةٍ قبلها الموتُ

رمى كلَّ عروة بانفصامِ

هو فحلُ الفحولِ لا فرقَ بين الـ

ـورد مما يلسُّ والقُلامِ

فتبصَّر هدى فما يقظاتُ الـ

ـعيشِ إلاَّ كخادع الأحلام

وعظتنا به الخطوبُ فما أعـ

ـجبُ إلاَّ من قلة الأفهامِ

كلنا واللبيب يعلمُ ساعٍ

في سكونٍ وظاعنٌ في مقامِ

آهٍ ما أقصرَ الرجاءَ وما

أطولَ همي على الجوادِ الهمامِ

أي بيتي فصلٍ وفضلٍ أقاما

بين خرمٍ عراهما واخترامِ

لستُ أنساه وهو خاطبُ فضلي

بمقامٍ يفوقُ كل مقامِ

ومباهٍ بهِ الرجالَ وقد جلَّ

مكان الفخار في الأقوام

وشَّحَ الذيل والخريدة منهُ

بفريدةٍ مثل اسمهِ وتؤامِ

فهي أشهى من الوصال إلى الصبِّ

وأحلى في مقلةٍ من منامِ

كم أتاني منهُ كتابُ ثناهِ

هو نُعمى جلَّتْ عن الإنعامِ

بمعانٍ رقَّت وراقت فما تعد

مُ وصفاً من معجزات المُدام

فهي حسنٌ يشفُّ تحتَ قناعٍ

وهو مسكٌ يفوحُ تحت ختامِ

سُحبٌ ما نشرتُها قطُّ في المحل

فكانت فيه بسحبٍ جَهامِ

قطعَ الدهر بيننا سببَ الوصل

فمن لي بذلك الإلمامِ

لم تبتْ بعدهُ أراملِ غادا

تي ولكنها من الأيتام

من لجمعِ الشتيت من بدد الفـ

ـضلِ وفضّ الزحام يومَ الزحامِ

ولجرِ الأرزاقِ إذ يرفع الأقدارَ

عامَ الخمول والإعدامِ

ماضياً في حشا المآرب والأغر

اض لطفاً منه مضاءَ السهامِ

فلو استطاعتِ الدفاعَ سيوفُ الهندِ

كانتْ من جملة الخُدامِ

ذهبَ الموتُ بالفصاحة والفُتيا

ونصِ الكتاب والأحكامِ

بالمنيبِ الأواب والخاشع الـ

ـأواهِ ديناً والصائم القوامِ

أي فرحٍ أبقاهُ في كبد الملـ

ـكِ وسقمٍ في مهجة الإسلامِ

طُويت بعد موته بهجةُ

الدنيا وولَّتْ بشاشةُ الأيامِ

من أناس همُ أخلاء قومي

بين كهلِ مسودٍ وغلامِ

رضعوا بينهم كؤوسَ التصافي

وكؤوسَ التبجيلِ والإعظامِ

سببٌ هجنَ القرابة حسناً

وذمامٌ أكرِمْ بهِ من ذمامِ

وامتزاجٌ كالماء والخمرِ في التحقيقِ

بل كالأرواحِ والأجسامِ

لبسوا حلة الزمانِ ولم تُخلقْ

ولم يعدُ غاية الاحتلامِ

وامتطوا صهوةَ المعالي وداسوا

وجناتِ الشهورِ والأعوامِ

أنجمٌ والسماءُ عطلٌ من الأنجمِ

تجلو ظلماً وجنحَ ظلامِ

وبحارُ الندى فإن خفَّ خوفٌ

فجبالُ العقولِ والأحلامِ

وإذا جرَّدوا اليراع لروعٍ

بانَ معنى الليوث في الآجامِ

وكلُّ خرقٍ بذَّ السحائب سبقاً

وحثا الترب في وجوه الكرامِ

وإذا أفرغتْ كنانة فخرٍ

ساعةَ الأذنِ أو غداة السلامِ

بجحُوا بالنفوس وهي نفيساتٌ

وكفوا عن العظامِ العظامِ

بالمساعي الجسام والأنمل الرطبة

في الجدب والوجوه الوسامِ

أوثقوا جامحَ الزمان بلا قيدٍ

وقادوا الدنيا بغيرِ زمامِ

فسقى الله قبرهُ كلَّ وطفاءَ

تهادى بمستهلِ رُكامِ

شققتْ ثوبها البوارقُ فاعجبْ

لبكاء في حالةٍ وابتسامِ

فهي تُذكي ناراً من الومض تلقـ

ـاه ببردٍ في ضمنها وسلامِ

كفؤادِ المحبِ أضمرَ شوقاً

وكدمعِ المتيمِ المستهامِ

تنشر الوشيَ عبقرياً وتجلو

أوجهَ النور ملقياتِ الكمامِ

شارحاتٍ صدرَ الفيافي بما بشَّـ

ـتْ وما عمَّمتْ رؤوسَ الإكامِ

أيُّ بسطٍ خُضر من النبت زينت

برقوم الحوذانِ والنمَّامِ

ما رمى المحلَ بالقطار فأصمى

بل رماه من قطره بسهامِ

نضَّرَ اللهُ طلعةً منه تحت التِـ

ـرب كم نضَّرت طليعةَ عامِ

فبهِ لأنَ كلُّ قاسٍ شديدٍ

وبه هان كلُّ صعبِ المرامِ

اظمأتني أمواهُ دمعي ولم أسمعْ

بماءٍ يشبُّ نارَ الأوامِ

لا تلمني هتفتُ انتجعُ السحب

فحدي ريانُ والقلب ظلمِ

جمراتٌ تحت المدامع في الأحشـ

ـاءِ مني والجمرُ تحت الضرامِ

نبتَ السقمُ بالدموع وما يُنـ

ـبتُ ماءُ الدموع غيرَ السقامِ

وطغى جاحمُ الغليل فما ينقعِ بـ

ـردُ الزُّلال حرَّ الهُيامِ

فطمتني عنهُ الليالي وما أصعبَ

حالَ الرضاع طعمَ الفطامِ

وحنيني إلى الشآم ولا مثل حنـ

ـيني وقد ثوى بالشآمِ

ولئن فاته الشباب وخان الدهرُ

فالدهرُ مهرمُ الأهرامِ

فعليه مني السلامُ وهل يبلغ قو

لٌ من بات تحت السلامِ

ولئن عشتُ ثم زرتُ ضريحَ الفـ

ـضل أفحمتُ ألسنَ اللوَّامِ

وتحرتُ الدموعَ هدياً كما يُو

جب حقُّ السلام والإسلامِ

والأسى ما بذلتُ فيه كنوزَ الد

مع أو ما ضيَّعتُ قُرط الملامِ