سرى ما بيننا سر الغيوب

سرى ما بيننا سِرُّ الغُيوبِ

يُبَشِّرُنا بنصرك عن قريبِ

ركبتَ إِلى الحروب جِيادَ عزمٍ

مصرَّفةً عن الرأْي المُصيب

تبسّمتِ البلادُ إِليك أُنساً

وكانت قبلُ مُوحِشةَ القُطوبِ

لقد ولّت شَمال الشِّرْك لمّا

أَنار الدينُ من أُفقِ الجَنوب

تركت صوارخَ الأَعداء فيها

مُخَرَّقةَ المَدارع بالحريب

تكاد قلوبُهم بالخوف منها

تطير عن المساكن بالوَجيب

وما سهِرتْ رماحُك فيه إِلاّ

لترقُد في التَّرائب والجُيوب

عصت حلبٌ وقاتل ساكنوها

وليس قتالُهم لك بالعجيب

لأَنك ناصرُ الإِسلام حقّاً

وهم رهط المُغيرة أَو شَبيب

وقد قالت سُعودك عن قريبٍ

إِليك أَسوقهم سَوْق الجَنيب

جِهادُك إِن طلبت الغزوَ فيهم

أَهَمُّ إِليك من غزو الصليب

فَزُرْ باب العراق وما يليه

بكل مُزَنّرٍ طرِبِ الكُعوب

وفَجِّرْ مَنْبَع الأَوْداج حتى

تَخوضَ الخيلُ في العَلَق الصبيب

ترى الإِسلام قد وافاك يعدو

إِلى لُقياك مشقوق الجُيوب

وقد نادى مُؤَذِّنهم، فنادى

ليوثُ الغاب: حيَّ على الحروب

أُناسٌ دَبّت الأَعلالُ فيهم

وليس لهم كسيفك من طبيب

وقد وَلّى الوزيرُ وعن قريبٍ

سينقلب الوزير إِلى الَقليب

أَحاط بجمعهم في كلِّ نادٍ

ظلامُ الكفر في ليل الذُّنوب

ومُذ أَطلعتَ شمس النَّصل فيهم

علا أَعناقَهم شَفَقُ الغروب

فلا يَغْرُرْكُمُ أَن كفّ عَنْكُمْ

فإِنّ الأُسْدَ تجثِمُ للوُثوب

إِذا ابتسمتْ سيوفُ الهند يوماً

فمَبْسِمُها يدلُّ على النّحيب

ولم يَذْخَرْك نور الدين إِلاّ

لتدفع عنه نائبةَ الخُطوب

فخلِّص ابنه بالسيف منهم

فقد حبسوه في بلدٍ جديب

يَبيتُ وقلبُه المحزون أشهى

إِلى لُقياك من ضمِّ الحبيب

صغيرٌ بينهم، لا بل أَسيرٌ

غضيضُ الطرف مبخوس النصيب

تذكَّرْ عهده واحْنُن عليه

ونَفِّسْ عنه تضييق الكُروب

ولا يَغْرُرْكَ من يُوليك وِدّاً

ويَلْوي عنك أَجفان المُريب

أَتيتُك والرِّماحُ تَخُبُّ نحوي

وخُضت عَجاجةَ اليوم العصيب

رأيتُ كواسرَ الأَبطال حولي

مُحَدَّدة المخالب والنُّيوب

وسِرتُ إليك محزوناً فلمّا

رأَيتُك قلتُ للأَحزان: غيبي

رأَيتُ المارقين ومَنْ يليهم

جميعاً من عَصِيّ أَو مُجيب

إِذا غنّت صواهِلهم وأَبدى

لها الخطيُّ أَخلاق الطّروب

فَراشاً عاينتْ ناراً فأَبدت

تهالُكَها على جمر اللّهيب

فأَوْسِع طَعْنَ من عاداك ظُلماً

كما وسَّعْتَ رِزق المُسْتَثيب

أَماتتني الهمومُ بأَرض قومٍ

بما فعلوا وأَخذلني كُروبي

وها قد قمتُ من قبري لِتحيا

بقُربك مُهجة الميت الغريب

وقد هاجرتُ إِنكاراً لما قد

رأيتُ من المثالب والعيوب

ولي دهرٌ يُراقبني فأَرْمِدْ

بلَحظٍ منك أَلحاظ الرّقيب

وشمسي تحرُق الحُسّاد كَبْتاً

وتُعيي وصفَ ذي اللَّسَنِ الخطيب

عَلَتْ في أَوْجها وحَضيضُ حظّي

يُجاذِبها بأَرسان المغيب