زارني طيفها محلى معطر

زارَني طيْفُها محلى مُعَطَّرْ

وتخطَّى كمثلها وتَخَطَّر

وحكَاهَا فَصَار في النَّقْل عَدْلاً

حينَ أَدَّى عَنْها وإِنْ كَان زوَّر

أَشْمَسَ اللَّيْلُ إِذْ زَار في اللَّيـ

ـلِ وَلَوْ لَمْ يَزُرْ لَما كَانَ أَقْمَرْ

ولَقَدْ عَامَ في بحارِ دُمُوعٍ

ظَنَّ مِنْها أَنْ لا وصولَ إِلى الْبَرْ

واشْتَكَى البردَ ثُمَّ وَافَى إِلى القَلْـ

ـبِ ونِيرَانِ قَيْظِه فَاشْتَكى الْحَرْ

خَفَّفَ الْقَيْظَ عن فؤادِي مَا ابْتـ

ـلَّ لَه مِنْ مُوزَّرٍ ومُزرَّرْ

وتوثَّقْتُه بِقُفْل عناقٍ

فشَّه الانْتِبَاهُ لَمَّا تَعَسَّر

كنتُ مُستيقظاً وزَار خيالُ الذّ

كْر مِنْها ومُذْ رَقَدْتُ تَفَسَّر

والذي أَرْسَلَتْه سمراءُ في القا

مَةِ إِذْ تَنْثَني ومَا اللَّونُ أَسْمرْ

أَشرَقَتْ بالبياضِ حَتَّى استَنَارَتْ

ولَعَمْرِي فالبَدْرُ أَبْيَضُ أَنْورْ

لا يَتهِ جَوْهَرُ العُقودِ ولا يش

مَخْ عَلَيْها فالوَجْه والثَّغْر جَوْهَرْ

إِنَّ عيشي مُرٌّ وحُلْوٌ بِمَن أَصْـ

ـبحَ مِنْها في الوَجْه مِلْحٌ وَسُكَّرْ

سأَلَتْني مَا حَالُ قَلْبك بَعْدي

ربَّةَ البيت أَنْتِ بالبيتِ أَخْبَرْ

فيه جمرٌ كجمرِ خَدِّكِ لكنْ

جَمْرُ ذَا أَسْودٌ وجَمْرُكَ أَحْمَرْ

كيف ينفَكُّ جَمْرُ خدِّكِ منه

وَهْو بالخْالِ فَوْقَهُ قَدْ تَسَمَّر

وإِلى جَنْبِ ذَلِكَ الخالِ وَشْمٌ

قد تَخَفَّى بِصُدْغِها وَتخَفَّر

هُو بالصُّدِغ قَدْ تَزمَّل والصد

غُ عَليه بِمسكِه قَدْ تَدَثَّر

ولَئِنْ غَرَّني المُؤَنَّثُ مِنْها

فلقَدْ غَرَّها عَليَّ المُذَكَّرْ

رُبَّ ليلٍ لهوتُ فيه ببدرٍ

يَنْثَني أَبْيَضاً ويهتَزُّ أَسْمَرْ

كان أَحْوَى فزِيد بِالعين رَاءٌ

حِينَ يَرْنُو فَصَارَ أَحْوى وأَحْوَر

إِنْ رَنَا فالْغَزالُ أَحولُ إِن قيـ

ـسَ إِلَيْه والنَّرجِسُ الغَضُّ أَعْورْ

عَادَ أَغْنَى الْوَرى بدينارِ خدٍّ

أَصْبحَ الآنَ بالعِذَارِ مُسَطَّر

رُبَّ رَاح شَرِبْتُها اليومَ صِرْفاً

مِنْ ثَنَاياهُ ثُمَّ قُلْتُ لَه سِرْ

ولقد مِتُّ مِنْه فاعْجَب لأَمْرِي

إِنَّني مَيِّتٌ وعِشْقي مُعَمَّر

لم يُمِتْني إِلاَّ الحَبِيبُ ولم يُحْـ

ـيي الْمَعَالي إِلاَّ أَبو الْفَضْلِ جَعْفَر

ضَمَّ شَمْلَ النَّدى فأَغْنَى وأَقْنَى

وأَعَادَ الْعُلاَ فَأَنْشا وَأَنْشَرْ

أَنِسَ الْمَدْحَ فَاصْطَفَى الحرَّ مِنْه

وأَتَى غَيرُه فنَفَّى ونَفَّرْ

يسبقُ الخَلْقَ في طريقِ المَعَالي

وجَرى كُلُّ مَنْ جَرى فتَعَثَّرْ

هو قَاضٍ وما سَمِعْنا بقاضٍ

حَوْلَه مِنْ نَداهُ جُنْدٌ وعَسْكَر

وإِذا بارَزَتْ أَياديه قَرْن الـ

ـفقرِ فَهْو المهْزُومُ وَهْي المُظَفَّر

إِنْ بَدا شَخْصُه فَشَمْسٌ وبَدْرٌ

أَوْ جَرَى ذِكْرُه فَمِسْكٌ وَعَنْبَر

دعْ غَماماً هَمَى وبَدْراً تَجَلَّى

وشهاباً أَوْرَى ورَوْضاً تَنَوَّر

هو أَنْدَى يَداً وَأَبْهَر أَنْوا

راً وأَوْرَى زَنْداً وأَحْسَنَ مَنْظر

قد شَكَا الْمُعْتَفُونَ ثِقْلَ أَيادِيـ

ـه على الظهر فَهْي تَشْكُو وَتَشْكُرْ

حَسِبُوا إِذْ هَمَى سَحَابَ يَدَيْه

كالسَّحابِ الَّذِي يَمُرُّ فَمَا مَرْ

قُلْ لِمَنْ قَالَ لم يُر الجُودُ في الخلـ

ـقِ وقَدْ جَادَ ذَا الجوادُ أَلَم ترْ

فَمُوالي نَداهُ يَحْظَى ويَرْضَى

وَمُعَادِي عُلاَه يَخْسا ويَخْسَرَ

قُلْ لِمنْ رَامَ رَاحَتَيه تَقَدَّمْ

ولِمَنْ رَامَ غَاَيَتَيْه تَأَخَّرْ

قدَّر اللهُ أَنَّه أَفْضَلُ النَّا

سِ كمَا أَخْبرَ الْقَضَاءُ الْمُقَدَّرْ

كلَّما كَرَّرَتهْ تسأَمه النَّفـ

ـسُ سِوَى مَدْحِه إِذَا مَا تَكرَّرْ

لم تَر الْعَيْنُ قَطُّ أَحْسَن مَرْأَى

مِنْه في حُلَّةِ الثَّنَاءِ الْمُحَبَّر

خَاطِرُ الْمَدْح قَد تَبَخْتَر فِيه

وهْوَ مِن عِظْم شَأْنِه مَا تَبَخْتَر

إِنْ تسَلْ عنه أَو تَسَلْه إِذا جئـ

ـتَ إِليْه فَهْو الرَّشِيدُ وجَعْفَرْ

ولَئِنْ أَشْبَهَ الكرامَ قَدِيماً

فَهْوَ أَتْقَى مِنْهمْ وأَنْقَى وأَطْهَر

وَرِعٌ إِنْ تَقُل لَه النَّفْس خُذْ هـ

ـذَا وحَاشاه منه قَالَ لَها ذَرْ

وصلاةٌ في اللَّيلِ جَهْراً تَلِيها

صَدقَاتٌ في السِّر تَخْفَى وتَظْهَر

وصِيَامٌ في كُلِّ يَوْمِ هجيرٍ

يَتْركُ الماءَ جَمْرةً تَتَسَعَّر

ونعيمُ الدُّنيا إِذَا لَمْ تَصِلْه

بنَعيم الأُخْرى نَعِيمٌ مُكدَّر

ولَئِنْ لَمْ يَصُمْ على الكُرْهِ مِنْه

حَسَداً لالتياثِ جِسْمٍ مُطَهَّر

فَلأَجْرُ السَّقامِ أَغْلَى وأَعْلى

وثَوابُ الآلاَمِ أَوْفَى وأَوْفَر

ولقد صُمتُ نَائِباً عنكَ ذَا الشَّهـ

ـرَ وقَصْدِي في أَنْ أَصُومَ وتُؤْجَر

وهْو نَذْرٌ عليَّ في كُلِّ عام

إِنْ قَضَى الله الْبرْءَ فِيه وَيَسَّر

لستُ أَرْجُو سِوى بَقائِك أَجْراً

فهْوَ أَجْرٌ مُعَجَّلٌ في المُؤَخَّرْ

وإِذَا دُمْتَ لي تَعَجَّلت أَجْرِي

أَنْتَ لي جَنَّةٌ وجُودكَ كَوْثَرْ

بك أَصبحتُ أَنعمَ النَّاسِ بالاً

زمَني أَبيضٌ وعَيْشِيَ أَخْضَرْ

وإِذا أَظْمأَ الزَّمانُ شِفاهي

كنتَ بَحْراً تفيضُ دُرّاً وجَوْهَرْ

تِهْ عَلى الدَّهْر بي وطاوِلْ بَنيه

وَعَلى الْخلقِ كُلِّهم بيَ فَافْخَر

أَنْت لي مُنجبٌ وشَأْنُك عَال

بنجيبٍ مِني وشَانيك أَبْتَر