رأيت طرفك يوم البين حين همى

رأَيتُ طرفكَ يوم الْبَيْنِ حين هَمَى

فالدَّمعُ ثغرٌ وتكحيلُ الجُفُونِ لَمَى

فاكفُف ملامَك عنِّي حين أَلْثُمُه

فما شككتُ بأَنِّي قد لثمتُ فَمَا

لو كان يَعلَمُ مع عِلْمِي بقسوتِه

تأَلَّم القلبِ من وَخْزِ الملاَمِ لَما

رنا إِليَّ فقال العاذلون رَنَا

وما أَقولُ رَنا لكن أَقول رَمى

رمَى فأَصمى ولو لم يَرْمِ متُّ هوىً

أَما ترونَ نُحولي في هَواهُ أَمَا

وبات يَحْمي جُفوني عَنْ طروق كرىً

ولم أَرَ الظَّبيَ منسوباً إِليه حِمى

وصاد طائرَ قلبي يوم ودَّعني

يا كعبةَ الحُسْن قد أَحْلَلْتِه حَرَما

يا كعبةً ظلَّ فيها خالُها حجراً

كم ذا أَطوفُ وكم أَلْقاه مستلما

مذ شَفّ جِسْمِيَ عن نار الغرام ضنىً

رُئِيَ الشُّعاعُ على خدَّيه مُضْطَّرما

وشفَّ كأْسُ فمٍ منه لرقته

فلاحَ فيه حُبَابُ الثَّغْرِ مُنْتظِمَا

يا كَسرةَ الجفنِ لِمْ أَسْمَوْكِ كَسْرتَه

وجيشهُ بكِ للأَرواحِ قد غَنِما

ولِمْ أَغَرْتِ على الأَرواحِ ناهِبَةً

إِن كان ذلك عن جُرْمٍ فلا جَرَما

مولاكِ فاق مِلاحَ الأَرض قاطبةً

فهْوَ الأَميرُ أَضْحَوا له حَشَما

أَقولُ والرِّيحُ قد أَعْلَتْ ذوائِبَه

أَصبحتَ فيهمْ أَميراً بل لَهُمْ عَلَمَا

شكوتُ طيفكَ في إِغبابِ زورته

لأَن مِثليَ لا يستَسْمن الوَرَمَا

ولستُ أَطلبُ منه رِفْدَةُ أَبداً

لأَن ذا الحِلْمِ لا يَسْتَرْفِد الحُلُما

لكنَّ عهداً قديماً منكَ أَذكرُه

ورُبَّما نُسي العهدُ الذي قَدُما

وزاد حُبِّي أَضعافاً مضاعفَةً

وطالما صَغُر الشيءُ الذي عَظُما

ولستُ أُنكر لا رَيْباً ولا تُهماً

من يَعْرفِ الحبَّ لا يستنكِر التُّهَما

ولست أُتبع حبِّي بالملال كما

لا يُتْبِع ابنُ عليِّ بِرَّه نَدَمَا

ذاك الأَجلُّ الذي تلْقَى منازِله

فوقَ السِّماكِ وتلْقَى جُودَه أَكَمَا

أَغْنى وأَقْنى وأَعطَى سُؤْلَ سائِله

وأَوجَد الجودَ حتى أَعْدم العَدَما

وقصَّر البحرُ عنه فهو مكتئبٌ

أَمَا تراه بكفَّيْ مَوْجِه الْتَطَما

وولَّت السُّحبُ إِذ جارته باكيةً

أَما ترى الدَّمعَ من أَجفانها انْسَجَما

ولو رأَى ابنُ أَبي سُلمى مواهِبَه

رأَى جَدَا هَرمٍ مثل اسمه هَرِما

ولو أَعار شَمَاماً من خَلائِقه

حلماً لأَصبح في عِرْنِينِه شَمَماً

ومذ رأَيت نَفاذاً في يَراعته

رأَيتُ بالرمح من أَخبارها صَمَماً

إِذا امتطى القلمَ العالي أَناملُه

جلا الطروسَ وجلَّى الظُّلمَ والظُّلمَا

قَضَى له اللهُ مُذْ أَجْرى له قَلَماً

بالسَّعْدِ مِنْه وَقَدْ أَجْرى به الْقَلَما

ذاتُ العِمادِ يمينٌ قد حَوَتْ قَلَماً

وهو العمادُ لمُلْكٍ قد حَكَى إِرَما

يُريك في الطَّرسِ وهْوَ الأُفْقُ زاهرةً

وقد يُرى منه زهرُ الرَّوضِ مُبْتَسِما

ويَرْقُم الوشيَ فيه من كتائِبه

وما سَمِعنا سِواه أَرْقَماً رَقَما

سطورُه ومعانيها وما اسْتَتَرت

هُنَّ السُّتُور وهذي خَلْفَهُنَّ دُمَى

تبرَّجَتْ وهَيَ أَبكارٌ ولا عجب

إِنَّ التخفُّر من أَبكارها ذُمِماً

فخراً لِدَهْرٍ غدا عبدُ الرحيم به

بالأَمر والنَّهْي يُبْدي الحُكْم والحِكما

أَسْمَى الوَرَى وهْوَ أَسْنَاهُمْ يداً وندى

وأَوسعُ النَّاسِ صدراً كلَّما سَئِما

وأَعْرَقُ النَّاسِ حقّاً في رِيَاستِه

وأَقدَمُ النَّاسِ في اسْتِحقاقِهَا قَدَمَا

كساكَ ربُّك نوراً من جَلالَتِه

يَلقى الحسودَ فيكسو ناظِريْهِ عَمَى

يلُوحُ في الصَّدْرِ منه البدرُ حين سَما

والغيثُ حين هَمَى والبَحْرُ حين طَمَا

يُغْضِي حياءَ ويُغْضَى من مهابته

فما يُكَلَّم إِجلالاً إِذا ابتسما

لما عَلِقْتُ بحبلْ من عِنايَتهِ

صالحْتُ دَهْري فلم أُوسع له ذَمَمَا

وحين طاله طرفي سَعْدَ طلْعَتِه

رأَيتُ طرْفي في أَفق العلاَ نَجَما

وكان قَدْماً ذَوُو الأَقدارِ لي خَدما

فصرتُ منه أَرَى الأَقدار لي خَدما

يأَيُّها الفاضلُ الصِّديق منطقُه

إِنِّي عَتيقُكَ والمقصودُ قَدْ فُهِما

أَعَدْتَ للعبدِ لما جئتَ عائِدَهُ

رُوحاً وأَهلكتَ من حُسَّاده أُمَمَا

تركتهمْ ليَ حُساداً على سَقَمِي

وكَمْ تمنَّوْا لي الأَدْواءَ والسَّقَمَا

فقلتُ ما بي إِليهم ثم قُلْتَ لهُم

لا تَسْلمُوا إِنَّ هذا العبدَ قد سَلِمَا

تفضُّلٌ منك أَعْلَى بينهم قِيمي

ومِنَّةٌ منكَ أَعْلَتْ فوقَهُم قِمَمَا

هبْلي من القول ما أُثني عيك بِه

بُخْلاً فإِنَّك قد أَهلكتَني كَرَما

شُكْرِي لِنُعْمَاك دَيْنٌ لي أَدِينُ به

والكُفْرُ عِنْدِيَ أَن أَشْكُرَ النِّعما