رأت شفتيه والبكى يستجيشها

رأت شفتيه والبكى يستجيشها

فما راعها الا اصفرار عليهما

وجست يداً كانت نطاقاً لخصرها

فلا رمقاً فيها تحس ولا دما

ومالت على أذنيه حتى كأنه

ليسمع منها شجوها والتندما

وتفتح جفنيه لتبصر فيهما

سراجين كانا يسطعان فأظلما

سراجين كانا يجلوان لعينها

جمال محياها فوراهما العمى

وكانا لوجه الحسن أجمل مبصر

فقد فجع الموت المحاسن فيهما

فقالت برغمي انك اليوم ميّت

وان الضحى لما يزل متبسما

ألا ايّهذا الحب إنك بعدهُ

ستصبح داء في الجوانح مسقما

ستصبح أنى سرت ترعاك غيرة

بعين تريك الوهم صدقاً مجسما

ستقبل محمود الأوائل سائغاً

وتدبر مشئوم العواقب مؤلما

وانك إما عن مرامك قاصرٌ

فتأسف أو مجتازهُ متهجما

عذابك بالصفو الذي فيك راجح

وماؤك ممزوج به الري والظما

بلى سوف تغدو أيها الحب كاذبا

لجوجاً ملولاً جافياً متبرما

يطير بعطفيك النسيم إذا سرى

وترمى بك الأنفاس في كل مرتمى

تطوف وما أحلاك يا حب ساقياً

بكأس تغر الحاذق المتوسما

بكأس حوافيها نعيمٌ ولذةٌ

وما ضمنت إلاّ سماماً وعلقما

تهد قوى الثبتِ المريرة من جوى

فتعرقهُ إلاّ مشاشاً وأعظما

وتنفخ في روع العييّ فينبرى

فصيحاً ويغدو مدره القوم أبكما

ويا حب تعفو عن كبائرَ جمة

وتضطغن الذنب اليسير تجرُّما

ويا حب تضرى من يدب على العصا

فيضرى وتنهى الضارى المتقحما

وتبتز أموال الغني وربما

منحت كنوز المال من كان معدما

عرامة مجنون ورقة مائق

ويا ويح قلب وامق من كليهما

وقد يحلم الفتيان في ميعة الصبا

ويسفه فيك الشيخ ان بات مغرما

هيوباً ولا شيءٌ يهاب لقاؤهُ

عسوفاً إذا ما الخوف قد كان احزما

وترحم أحياناً وفيك قساوة

وأنت بأن تقسو جدير وترحما

وأخدع شيء أنت ان قيل منصف

وأصعب شيء أنت ان قيل أسلما

وإن شئت ازجيت الجبان فأقدما

ووسوست في قلب الجرئ فأحجما

ألا أيها الحب الغويّ ألا انطلق

على الناس سيلاً جارفاً أو جهنما

ألا ولتفرق والداً عن وليده

فلا أمّ تحنو إن قسوت ولا ابنما

وكم فتنة يا حب تورى ضرامها

وترسلها شعواء في الأرض والسما

ألا وليكن أشقى الأنام بحبه

أحق امرئ فيه بان يتنعما