سفر تكوين لم يكتمل بعد

إن الحياة سِفر تكوين لم يكتمل بعد ، أو ربما لا يريد أن يكتمل أبداً ، فيظل سفراً ناقصاً إلى يوم الدينونة ،

لذا ترانا جئنا إليها بلا إرادة منّا قبل الوقت الميمون،

حتى نتعذب بلا هوادة من قبل الطبيعة التي قذفت بنا في لج هذا الجحيم الذي لم تخبو ناره!!

صِدقاً ، لقد قيّض لي أن آت إلى هذه الحياة ذات الرحم الجحيمي ، ذات عشية تحبل بالرعد والبرق والغيوم ،

عشية أشبه بمخاض الكتابة في حياة تغص بالنعم والرفاه الأبدي الذي لا يزول في أقربِ وقتٍ!

وأنتَ تعرف يا صديقي ، لا يد ولا قرار لي في ذلك الجيئة الغير مرحب بها ، ذات أصيل فجائعي ،

ولو قدر لي أن أختار بين المكوث أو العودة إلى نعيم الرحم السديمي ، لأختيرت العودة عن محبة وطيب خاطر ، لا ، بل ، لكنت أكثر إمتناناً للجميع .

ولكن ذلك لم يحدث ، بكل آسف لا ينفع!

ليس ثمة هناك مِن شيءٍ أكثر تفجوعاً مِن أن تأتي إلى حياة ، تتوهم أنها واحة مِن فراديس الله ، يغص بمحبةٍ لا تزول ، ووفير عيش لا تنضب ، لتجد نفسك في حقيقة الأمر ، لكأنكَ قفزتْ إلى هوة سحيقة ، حيث لا شيء يخفق في حضيضها غير الألم والفجيعة والدم!

لنقل أنني قُذف بي إلى هذا الجحيم اللافح …

لنقل أمي هي مَن فعلت ذلك أو أبي أو كلاهما ، لا يهم!

المهم هو أنني قُذف بي إلى هذا الجحيم المؤقت ، دعك الأن عن الجحيم الأبدي ، فأنا أستحقه عن عدالة وصدق ( إن كان موجوداً أصلاً ) ، وأنتَ تعلم ذلك!

لستُ على يقينٍ مِن الذي أقوله ، ولكنّي أقوله رغم ذلك ، ” سنقبر يوماً حتى وإن لم يكن الآن في شمس العروبة الغاربة والتي تأكد عدم شروقها مِن جديد ، على الأقل في سماءِ هذا العصر الفوضوي ،

والإسلام الذي ينهض من رماد الماضي السحيق ، شاهراً سيفه البتّار في وجه الكل ، حتى الله عينه! ” .

في عصر التراجيديا ، وعلب الليل ، والزواني ، وقتل الشيطان وإنبعاث الله الواحد المقهور في ملكه وملكوته الأرضي والسماوي ، وتمريغ الحق في وحل الباطل ، وتمزيق بكارة البراءة ، ووأد الإنسان والقيم ، آنه سأكون متأكد مِن أمر واحدٍ ، هو أننا نمشي نحو الهاوية ، لكن ليس بعينين معصوبين كما يقال ، وإنما على العكس تماماً ، نحن في كامل وعينا البصري!

بالطبع ، ليس ثمة ما هو أكثر ألماً وبشاعة ، مِن أن تُقذف إلى عالمٍ كل ما يفعله يؤكد لك أنه ضد نعمة الولادة ، رغم أنه يدعي العكس .

أترى يا صديقي ، أين يكمن الخطأ ، هل الخطأ في وجود الإنسان مِن أساسه ؟ أم في التعاطي معه ؟

وإن كنتُ أوافق سيوران في الكثير مِن مثالب ولادته ،

إلا أن هذا لا ينفي بأن العالم مِن أساسه كان وجوداً ناقصاً ، كان جنيناً تم إجباره على مغادرة الرحم قبل آوانها بكثير مِن الوقت .

لو افترضنا أن الإنسان تم تأخير مجيئه إلى عشرة آلاف سنة ، أليس هذا التأخير قد يمنحه بعض الوقت كي ينضج ، ولو بيولوجياً ، ما يعني كان مِن المحتمل أن يأتي إلى الوجود وهو يمشي على قدمين وليس على أربعة كما يشاع في دهاليز علم الآثار!

إفتراضي هذا لا لشيء إلا لوهمٍ يعتصرني في شتاتٍ متفرقةٍ ، مفاده ، أن تفكيرنا لا ينفصل عن تكويننا الجسدي بأي حال ، ولكن ليس بمفهوم العقل السليم في الجسم السليم ، لا ليس كذلك البتة .

ما عنيته ، هو أننا في لحظاتِ التفكير ، نفكر حتى بجسدنا ، تلبية لحاجات تخصه هو لوحده .

مثلاً ، حين خطر على الإنسان فكرة اللبس ، ألا توافقني الرأي في أنه حينها كان يفكر بجسده ، في حماية جسده مِن الحر والبرد والمطر وغول الطبيعة .

دعك مِن الهراء الرجيم ، أظنني بدأت أهذي!

ينتابني ، في بعض لحظات الإنكشاف ، شعور بالمقت لهذا الإنسان السماوي ، خاصة بالمفهوم الإبراهيمي ، هذا الإنسانُ الشرُ الخالصُ لوجه الخراب ، هذا المسخ الذي نحن الآن للأسف نعيش تحت وطأته ، ظلمه ، عهره ، سماجته ، إنحطاطه وتجبره اللا محدود!

سيظل الشر موجود ، طالما هذا المسخ لا زال الرحم يحبل به ، لذا ليس أمامنا مِن خيار لو أردنا طبعاً كنس الشر إذن ، إلا أن نطبق خطة سيورانية ، وذلك بالكف عن تدعيم الشر بعدم الولادة!

هذيانٌ آخر ما زال يؤرقني ويثير فيّ الجنون والرغبة في البكاء في آن ، وهُنا ، أتكلم عن خطأ أو قل أخطاء ثلاثة حصلت في هذه الحياة الخربة ، فزاد خرابها ،

أو فلنقُل بصورة أكثر دقةً وإستيضاحاً ، ثلاث حماقات إرتكُبت ، فقلبت الحياة عاليها سافلها ، وهي :

أولى الحماقات ، إختراع الدين ، ثانيها ، الجيوش ، وثالثها ، الدول ، هي ذي مأزق الوجود الكُبرى!

قال مشيل أونفري ذات مكاشفة وجودية : ” لأن الله موجود فكل شيء مباح ” . وأظنه كان محقاً فيما رمي إليه . إذ بوجود الله أو إدعاء وجوده يمكننا فعل أي شيء ، سيئاً كان أم حسناً ، وننسبه إليه ، وينتهي الأمر . يمكنك أن تقتل وتقول هذا ما أمر به الله .

ولكن هذا لا يجعل مِن فكرة موت الله أيضاً ، فكرة جيدة بأي حال ، فهي لها نفس السوء ، فالأمر سيان للأسف!

هل لو كان الله غير موجود ، هل يمكن أن يكون هناك ديناً بعامة ، أو على الأقل ديناً منسوباً إليه ؟

لستُ أدري ما الإجابة بالضبط ، فحماقة البشر لا حد لها!

أظنني قرفتُ يا صديقي ، أغفر لي ذلك .

لم أحدثكَ عن مكان إنبثاقي إلى الحياة ، ذلك لا يهم ، لأنني لم أحس يوماً بأن قدمي قد وطأتا أرضاً ،

لذا أجدني عالقٌ في جحيم اللا مكان ،

هذا الكلام مخالف لمنطق البشر ، ولكنّي مع الطبيعة حتى آخر رمق في النفس!!

وما بعد النهاية بقليل ؛ شيءٌ واحد قد تأكدتُ منه مِن خلال فترة حياتي القصيرة في السعادة والطويلة في الشقاء ، طبعاً؛ هو أننا في النهاية محض بشر ، والذي يعني بصريح عبارة تدمي القلب ” أننا محض حمقى! ” !؟