عن الحرب مقام ثان

الحرب ؛ هي سطوةُ المتوحش

القابعُ في دهاليزِ الذاكرةِ السفليِّ

المدعاة باللاواع ..

إذ الإسم يطابق الفعل !!

الحرب ؛ هي عدميةُ الإنسان

حين شيعت القيم ..

الحرب ؛ هي إبتزازُ الآلهة

على سذاجةِ فعلٍ أرعن ..

نتجت عنها مسوخُ بشرٍ

يجهلون معنى الإنسان ..

في الحرب تتكلم المدافع

بلسانِ إنسانٍ قزم

قدّ من عبثيةِ التكوين

مذ إجتراج الميتافيزيقا ..

في السلم نلبس أقنعة

لنبدو أناسٌ طيبين ..

وفي الحرب نزيحُ الأقنعة

ونطلق عنان الشر المحنطُ قبلاً

ليحتل المشهدُ الجنائزي ..

في الحرب نظهر على حقيقتنا ..

على حقيقةٍ كنّا نرفُضها ..

الحرب يعرينا

ونحن نرفلُ في البِزّاتِ العسكرية !!

بُعيد كلِّ معركةٍ لعينةٍ

لا نحمل معنا سوى الهزائم :

جثامين رفاق تبكي بشجن

تتمنى لو لم تدخل الحرب ..

رفاقٌ جرحى جروحٌ قاتلة

أذرع مكسورة

أرجل مبتورة

أمعاء متهتكة

قلوب محطمة ..

مدافع تحطمت بفعل مضاد

قبعاتٌ على أغصانِ أشجارٍ ..

بُعيد الحرب نعود كالحمقى :

ملابس رثة معفرة بالتراب

حناجرٌ محشوة بغبار المعركة

مساماتٌ مسدودةٌ بالبارود

وقلوبنا ملأى بإنكساراتِ الهزائم ..

في الحرب نطلق عنان القتل

وبُعيد الحرب نبكي رفاقنا ..

نعود بلا شيء

وكل شيء ..

نحمل قصاصاتُ ورقٍ

مصبوغةً بالدماء ..

وجدناها في جيوب رفاقنا ..

كتبت على إحداها :

إلى زوجتي وأطفالي

الذين لن ترونني مرةً ثانية

أحبكم ملء قلبي ..

وكتبت على أخرى :

أيها الصغار من أبنائنا

أنبذوا الحروب الداعرة

وأفتحوا أشرعة السلام

فالحربُ كفرٌ بالحياة ..

الحرب ؛ هي تعطيل الذاكرة الحية ..

هي وأدُ الإنسان كقيمة أسمى ..

وإستلاف ذاكرةُ شر مصطنعة!